الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ } * { وَلَوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا سُبْحَانَكَ هَـٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } * { يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { وَيُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَاتِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

قلت: لولا هنا: امتناعية بخلاف المتقدمة فإنها تحضيضية، وإذ سمعتموه: معمول لقُلتم، وإذْ تلقونه: ظرف لمسَّكم. يقول الحق جل جلاله: { ولولا فضلُ الله عليكم } أيها السامعون { ورحمتُهُ في الدنيا } من فنون النِعَم، التي من جملتها: الإمهال والتوبة، { و } في { الآخرةِ } من ضروب الآلاء، التي من جملتها: العفو والمغفرة، { لمسَّكم } عاجلاً { فيما أفَضْتُم } أي: بسبب ما خضتم { فيه } من حديث الإفك { عذابٌ عظيمٌ } يُستحقر دونه التوبيخ والجَلْدُ، يقال أفاض في الحديث، وفاض، واندفع: إذا خاض فيه. { إذْ تلقَّوْنه } أي: لمسكم العذاب العظيم وقت تلقيه إياكم من المخترعين له، يقال: تلقى القول، وتلقنه، وتلقفه، بمعنى واحد، غير أن التلفق: فيه معنى الخطف والأخذ بسرعة، أي: إذ تأخذونه { بألسنتكم } بأن يقول بعضُكم لبعض: هل بلغك حديث عائشة، حتى شاع فيما بينكم وانتشر، فلم يبق بيت ولا نادٍ إلا طار فيه. { وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علمٌ } أي: قولاً لا حقيقة له، وقيّده بالأفواه، مع أن الكلام لا يكون إلا بالفم لأن الشيء المعلوم يكون في القلب، ثم يترجم عنه اللسان، وهذا الإفك ليس إلا قولاً يدور فيه الأفواه، من غير ترجمة عن علم به في القلب. { وتحسبونه هيِّناً } أي: وتظنون أن خوضكم في عائشة سَهْلٌ لا تبعة فيه، { وهو عند الله عظيم } أي: والحال أنه عند الله كبير، لا يُقادر قدره في استجلاب العذاب. جزع بعض الصالحين عند الموت، فقيل له في ذلك، فقال: أخاف ذنباً لم يكن مني على بال، وهو عند الله عظيم. { ولولا إذْ سَمِعْتُموه } من المخترعين والشائعين له { قُلتم ما يكونُ لنا } ما يمكننا { أن نتكلَّمَ بهذا } ، وما ينبغي أن يصدر عنا، وتوسيط الظروف بين " لولا " و " قلتم " إشارة إلى أنه كان الواجب أن يُبادروا بإنكار هذا الكلام في أول وقت سمعوه، فلما تأخر الإنكار وبَّخهم عليه، فكان ذكرُ الوقت أَهَمَّ، فقدّم، والمعنى: هلاَّ قُلتم إذ سمعتم الإفك: ما يصح لنا أن نتكلم بهذا، { سبحانك } تنزيهاً لك، وهو تعجبٌ مِنْ عِظَمِ ما فاهوا به. ومعنى التعجب في كلمة التسبيح: أن الأصل أن يسبح الله عند رؤية العجيب من صنائعه تعالى، ثم كثر حتى استعمل في كل متعجب منه. أو: تنزيهاً لك أن يكون في حرم نبيك فاجرة، { هذا بهتانٌ عظيم } لعظمة المبهوت عليه، واستحالة صدقه، فإنَّ حقارة الذنوب وعظمتها باعتبار متعلقاتها. وقال فيما تقدم:هَـٰذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ } [النور: 12]. ويجوز أن يكونوا أُمروا بهما معاً، مبالغة في التبري. { يَعِظُكُمُ الله } أي: ينصحكم { أن تعودوا لمثله } أي: كراهة أن تعودوا، أو يزجركم أن تعودوا لمثل هذا الحديث أو القذف أو الاستماع، { أبداً } مدة حياتكم، { إن كنتم مؤمنين } فإن الإيمان وازع عنه لا محالة.

السابقالتالي
2