الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قلت: " سورة ": خبر، أي: هذه سورة، وأشير لها، مع عدم تقدم ذكره لأنها في حكم الحاضر المشاهدَ. وقرئ بالنصب على الاشتغال، وجملة: أنزلناها، وما عطف عليه: صفة لسورة، مؤكد لما أفاده التنكير من الفخامة. والزانية: مبتدأ، والخبر فاجلدوا، ودخلت الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط إذ اللام موصولة، أي: والتي زنت والذي زنى فاجلدوا، هذا مذهب المبرد وغيره، والاختيار عند سيبويه: الرفع على الابتداء، والخبر: محذوف، أي: فيما فرض عليكم، أو: مما يُتلى عليكم: حكم الزانية والزاني، وقدَّم الزانية لأنها الأصل في الفعل، والداعية فيها أوفر، ولولا تمكينها منه لم يقع. وقيل: لمّا كان وجود الزنى في النساء أكثر، بخلاف السرقة، ففي الرجال أكثر، قَدَّم الحق تعالى الأكثر فيهما. يقول الحق جل جلاله: هذه { سورةٌ } ، وهي الجامعة لآيات، بفاتحة لها وخاتمة، مشتقة من سور البلد. من نعت تلك السورة: { أنزلناها } عليك، { وفرضْنَاها } أي: فرضنا الأحكام التي فيها. وأصل الفرض: القطع، أي: جعلناها مقطوعاً بها قطعَ إيجاب. وقرأ المكي وأبو عمرو: بالتشديد للمبالغة في الإيجاب وتوكيده، أو: لأن فيها فرائض شتى، أو لكثرة المفروض عليهم من السلف ومن بعدهم. { وأنزلنا فيها } أي: في تضاعيفها { آيات بينات } أي: دلائل واضحات لوضوح دلالتها على أحكامها لا على معانيها فإنها كسائر السور. وتكرير أنزلنا، مع أن جميع الآيات عين السورة لاستقلالها بعنوان رائق دَاع إلى تخصيص إنزالها بالذكر إبانة لخطرها، ورفعاً لقدرها، كقوله تعالى:وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } [هود: 58]، بعد قوله: { نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ }. { لعلكم تذكَّرون } أي: لكي تتعظوا فتعملوا بموجبها عند وقوع الحوادث الداعية إلى إجراء أحكامها. وفيه إيذان بأن حقها أن تكون على بالٍ منهم، بحيث متى مست الحاجة إليها استحضروها. ثم شرع في تفصيل أحكامها، فقال: { الزانيةُ والزاني فاجلدوا كلَّ واحد منهما مائةَ جلدةٍ } إذا كانا حُرَّيْن، بالغين، غَيْر مُحْصَنَيْنِ، وألا تكون المرأة مكرَهة. وظاهر الآية: عموم المحصن وغيره، ثم نسخ بالسُنة المشهورة. وقد رجم - عليه الصلاة والسلام - مَاعزاً وغيره. وعن علي رضي الله عنه: جلدتهما بكتاب الله، ورجمتهما بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل نسخ بآية منسوخة التلاوة، وهي: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما أَلْبَتَّةَ نكالاً من الله والله عزيز حكيم، ويأباه ما رُوي عن علي رضي الله عنه. هـ. قاله أبو السعود. وشرط الإحصان: العقل، والحرية، والإسلام، والبلوغ، والتزوج بنكاح صحيح، ودخول معتبر. وفي التعبير بالجلد، دون الضرب إشارة إلى أنه لا يبالغ إلى أن يصلَ أثرُ الضرب إلى اللحم، ولكن يخفف حتى يكون حد ألمه الجِلد الظاهر. والخطاب للأئمة لأن إقامة الحدود من الدِّين، وهو على الكل، إلا أنه لا يمكن الاجتماع، فيقوم الإمام مقامهم، وزاد مالك والشافعي مع الجلد: تغريب عام، أخذاً بالحديث الصحيح.

السابقالتالي
2 3