الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ } * { رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ } * { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } * { وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ } * { وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ } * { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ } * { لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ }

يقول الحق جل جلاله: { قل ربّ إِما تُرِيَنَّي } أي: إذا كان لا بد أن تريني ما يوعدون من العذاب المستأصل في الدنيا أو عذاب الآخرة، { ربِّ فلا تجعلني في القوم الظالمين } أي: قريباً لهم فيما هم فيه من العذاب، وفيه إيذان بفظاعة ما وُعدوه من العذاب، وأنه يجب أن يستعيذ منه مَن لا يكاد أن يحيق به، وردٍّ لإنكارهم إياه واستعجالهم على طريقة الاستهزاء، وقيل: أمر به صلى الله عليه وسلم هضماً لنفسه، وقيل: إن شؤم الكفرة قد يحيق بمن وراءهم كقوله تعالى:وَاتَّقُواْ فِتْنَةً... } [الأنفال: 25] إلخ، ورُوي عن الحسن أنه - تعالى - أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن في أمته نقمة، ولم يطلعه على وقتها، فأمر بهذا الدعاء ويجوز أن يسأل النبيُّ المعصوم ربه ما علم أنه يفعله، وأن يستعيذ به مما علم أنه لا يفعله إظهاراً للعبودية وتواضعاً لربه. والفاء: جواب " إما " الشرطية، أي: إن نزلت بهم النقمة فاجعلني خارجاً عنهم، وتكرير النداء، وتصدير كل من الشرط والجزاء به - أي: بالدعاء - لإبراز كمال الضراعة والابتهال. قال تعالى: { وإِنا على أن نُّرِيَكَ ما نَعِدُهم } من العذاب { لقادرون } ، ولكنا نؤخره لعلمنا بأن بعضهم، أو بعض أعقابهم، سيؤمنون، أو: لأنا لا نعذبهم وأنت فيهم، وقيل: قد أراهم ذلك، وهو ما أصابهم يومَ بدر وفتح ومكة، وهو بعيد لأن المبادر أن يكون ما استحقوه من العذاب الموعود عذاباً هائلاً مستأصلاً لا يظهر على يديه صلى الله عليه وسلم للحكمة الداعية إليه، وكانوا يضحكون، استهزاءً بهذا الوعد، وإنكاراً له، فقال لنبيه - عليه الصلاة والسلام -: { ادفع بالتي هي أحسنُ السيئةَ } أي: ادفع الخصلة السيئة بالخصلة التي هي أحسن، وهو الصفح عنها والإحسان في مقابلتها، لكن بحيث لا يؤدي إلى وَهَنٍ في الدين وإهانةٍ له. وقيل: السيئة: الشرك، والتي هي أحسن: كلمة التوحيد، وقيل: السيئة: المنكر، والتي هي أحسن: النهي عنه، وقيل: هي منسوخة بآية السيف، وقيل: محكمة إذ المداراة مأمور بها. قال ابن عطية: أمر بمكارم الأخلاق، وما كان منها بهذا المعنى، فهو محكم باق في الأمة أبداً، وما كان بمعنى المواعدة فمنسوخ بآية القتال. هـ. وهذا التركيب أبلغ من " ادفع بالحسنة السيئة " لما فيه من التنصيص على التفضيل، وتقديم الجار والمجرور على المفعول للاهتمام. { نحن أعلم بما يصفون } من الشرك والولد، أو بما يصفك به، مما أنت على خلافه، من السحر وغيره، فسنجازيهم عليه، وفيه وعيد لهم، وتسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم، وإرشاد له إلى تفويض أمره إليه تعالى والاكتفاء بعلمه. { وقل ربِّ أعوذُ بك من هَمَزاتِ الشياطين } أي: وساوسهم المغرية على خلاف ما أمرت من المحاسن، التي من جملتها دفع السيئة بالحسنة، وأصل الهمز: النخس، ومنه: مهماز الرائض، شبه حثهم للناس على المعاصي بهمز الرائض الدوابَّ على الإسراع والوثب.

السابقالتالي
2 3