الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنْشَأَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ ٱخْتِلاَفُ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { بَلْ قَالُواْ مِثْلَ مَا قَالَ ٱلأَوَّلُونَ } * { قَالُوۤاْ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } * { لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَآؤُنَا هَـٰذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ }

يقول الحق جل جلاله: { وهو الذي أنشأ }: خلق { لكم السمع والأبصار } لتشاهدوا بها عجائب مصنوعاته ودلائل قدرته، أو لتتوصلوا إلى شهود آياته الكونية والتنزيلية، { والأفئدة } لتتفكروا بها فيما تشاهدونه منها وتعتبروا، وخصها بالذكر لأنه يتعلق بها من بالمنافع ما لا يتعلق بغيرها، وقدَّم السمع لأنَّ أكثر العلوم إنما تُنال به، { قليلاً ما تشكرون } أي: شكراً قليلاً غير معتد به تشكرون تلك النعم الجليلة لأن العمدة في الشكر: صرف تلك القوى - التي هي في أنفسها نِعمَ باهرة - إلى ما خلقت له، وأنتم تنتحلون بها ضلالاً عظيماً. { وهو الذي ذرأكم في الأرض } أي: خلقكم وبثكم فيها بالتناسل، { وإليه تُحشرون } أي: تجمعون يوم القيامة بعد تفرقكم، فيجازيكم على إحسانكم وإساءتكم. { وهو الذي يُحيي ويميت } ، من غير أن يشاركه في ذلك أحد ولا شيء من الأشياء، { وله اختلافُ الليل والنهار } أي: المؤثر في اختلافهما، { أفلا تعقلون } فتعرفون بالنظر والتأمل أن الكل منا، وأن قدرتنا تعم جميع الممكنات، التي من جملتها البعث والحساب، وقُرئ " يعقلون " بالغيب، على الالتفات لحكاية سوء حال المخاطبين، { بل قالوا } عطف على مضمر يقتضيه المقام، أي: فلم يعقلوا { بل قالوا مثلَ ما قال الأولون } أي: آباؤهم ومن دان دينهم، { قالوا أئذا مِتْنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون } ، هو تفسير لما أبهم قبله، أي: قالوا: أُنبعث بعد هذه الحالة، { لقد وُعِدْنَا نحن وآباؤنا هذا } البعث { من قبل }: متعلق بالفعل من حيث إسناده إلى آبائهم لا إليهم، أي: وُعِدَ هذا آباؤنا من قبلُ، أو حال من آبائنا، أي: كائنين من قبل، { إنْ هذا } أي: ما هذا { إلا أساطير الأولين } أي: أكاذيبهم التي سطروها، وهي جمع أسطورة كأُحدوثة وأُعجوبة، أو جمع أسطار، جمع سطر، فيكون جمع الجمع. والله تعالى أعلم. الإشارة: ذكر في الآية خمس نِعَم، يجب على العبد شكر كل واحدة منها، فشُكْر نعمة السمع: أن تسمع به ما ينفع، وتكفه عما لا ينفع، وإذا سمعت خيراً أفشيته، وإذا سمعت شراً دفنته. وشكر نعمة البصر: أن تنظر به في ملكوت السموات والأرض وما بينهما، فتعرف عظمة الصانع، أو تشاهده وتوحده فيها. وشكر نعمة القلوب: أن تعرف بها علام الغيوب، وتُفرده بالوجود في كل مرغوب ومرهوب. وشكر نعمة الإيجاد: أن تكون له عبداً في كل حال. وشكر نعمة الإعادة: أن تتأهب للقائه في كل لحظة وساعة. وهو الذي يحيي ويميت يحيي قلوباً بالمعرفة بعد الجهل، ويميت قوباً بالغفلة والجهل بعد العلم واليقظة، وذلك بالسلب بعد العطاء والعياذ بالله. وله اختلاف ليل القبض ونهار البسط على العبد، ثم يُخرجه عنهما ليكون مع الله لا مع شيء سواه. وبالله التوفيق. ثمَّ ذكر دلائل ما أنكروه من البعث