الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ } * { وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ } * { وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ } * { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } * { وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

قال في الحاشية: لمّا ذكر تعالى غفلةَ الكفار ووعيدهم، عقَّب ذلك بوصف المؤمنين بضد ذلك ويقينهم بالرُّجْعَى، وإشفاقهم من جلال الحق وقهره.هـ. يقول الحق جل جلاله: { إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون } أي: من عذابه خائفون حذرون، { والذين هم بآيات ربهم } المنصوبة والمُنَزَّلة، يؤمنون بتصديق مدلولها، وبكتب الله كلها، لا يُفرقون بين كتبه، كالذين تقطعوا أمرهم بينهم - وهم أهل الكتاب وغيرهم، { والذين هم بربهم لا يشركون } شركاً جلياً ولا خفياً، بخلاف مشركي العرب والعجم. { والذين يُؤتون ما آتَوْا } أي: يعطون ما أعطوا من الزكوات والصدقات. وقرئ: يأَتُونَ مَا أَتَواْ بالقصر، أي: يفعلون من الطاعات، { وقلوبهم وَجِلةٌ }: خائفة ألاَّ تُقبل منهم لتقصيرهم بأن لا يقع على الوجه اللائق، فيُؤخذوا به ويُحرموا ثوابه لأنهم { إلى ربهم راجعون } فيعاتبهم، أو من مرجعهم إليه، وهو يعلم ما يحيق عليهم، والمصولات الأربعة عبارة عن طائفة واحدة متصفة بما ذكر، في حَيِّزِ صِلاتِهَا من الأوصاف الأربعة، لا عن طوائف، كل واحدة منها متصفة بواحد من الأوصاف المذكورة، كأنه قيل: إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون، وبآيات ربهم يؤمنون... إلخ. وإنما كرر الموصول إيذاناً باستقلال كل واحد من تلك الصفات بفضيلة باهرة على حِيالها، وتنزيلاً لاستقلالها منزلة استقلال الموصوف بها، وخبر " إنّ ": { أولئك يسارعون } ، أشار إليهم بالجمع اعتبار اتصافهم بتلك النعوت، مع أنَّ الموصول واقع على الجمع. ومعنى البُعد للإشعار ببُعد رُتبتهم في الفضل، أي: أولئك المنعوتون بتلك النعوت الجليلة يسرعون { في الخيرات } أي: يرغبون في الطاعات أشد الرغبة، فيبادرون إليها. أويسارعون في نيل الخيرات العاجلة والآجلة الموعودة على الأعمال الصالحات كما في قوله تعالى:فَآتَاهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ ٱلآخِرَةِ } [آل عمران: 148]، وقوله:وَآتَيْنَاهُ فِى ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِى ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } [النحل: 122]، فقد أثبت لهم ما نفى عن أضدادهم، غير أنه غيّر الأسلوب، حيث لم يقل: أولئك نسارع لهم في الخيرات بل أسند المسارعة إليهم إيماءاً إلى كمال استحقاقهم نيل الخيرات لمحاسن الأعمال. وإيثار كلمة " في " ،عن كلمة " إلى " إيذانا بأنهم مُتَقلِّبون في فنون الخيرات، لا أنهم خارجون عنها متوجهون إليها، كما في قوله تعالى:وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } [آل عمران: 133] الآية. { وهم لهم } أي: لأجل نيل تلك الخيرات، { سابقون } الناس إلى الطاعات، أو: وهم إياها سابقون، واللام زائدة لتقوية العامل، كقوله: { وهم لها عاملون } أي: ينالونها قبل الآخرة، فتُعجل لهم في الدنيا، وعن ابن عباس: { هم لها سابقون } أي: سبقت لهم من الله السعادة، فلذلك سارعوا في الخيرات. هـ. فهو إشارة إلى تيسير كلِّ لما خُلِق له، وأنه يَسَّرهمُ القدرُ لما وصفهم به من الخير، كما أن الكفار أُمدوا بما يدعو للغفلة والإعجاب، مما هو استدراج ومكر من حيث لا يشعرون.

السابقالتالي
2 3