الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ } * { فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } * { وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي ٱلْحَيـاةِ ٱلدُّنْيَا مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ } * { وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } * { أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ } * { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ } * { إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } * { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ ٱفتَرَىٰ عَلَىٰ ٱللَّهِ كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ } * { قَالَ رَبِّ ٱنْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ } * { قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ } * { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ بِٱلْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَآءً فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ }

يقول الحق جل جلاله: { ثم أنشأنا من بعدهم } من بعد قوم نوح { قرناً } أي: قوماً { آخرين } هم عادٌ قوم هود، حسبما رُوي عن ابن عباس، ويشهد له قوله تعالى:وَٱذكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ } [الأعراف: 69]، ومجيء قصة هود على إثر قصة نوح في الأعراف وهود والشعراء، ونقل ابن عطية عن الطبري: أن المراد بهم ثمود قوم صالح، قال: والترتيب يقتضي قوم عاد، إلاَّ أنهم لم يُهلكوا بالصيحة، بل بالريح، قال في الحاشية: والظاهر أنهم صالح. كما قاله الطبري. وحمل الواحدي الصيحة على صيحة العذاب، فيتجه لذلك أنهم عاد قوم هود، وقد تقرر أن ثمود بعد عاد. ثم قال: وفي السيرة: عادٌ بن عوص بن إرَم بن سام بن نوح، وثمود بن عابر بن أرَم بن سام بن نوح. هـ. { فأرسلنا فيهم } ، الإرسال يُعَدّى بإلى، ولم يُعَدَّ بها هنا وفي قوله:كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِىۤ أُمَّةٍ } [الرعد: 30]،وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ } [الأعراف: 94] لأن الأمة والقرية جعلت موضعاً للإرسال، إيذاناً بأن المرسَل إليهم لم يأتهم من غير مكانهم، بل إنما نشأ بين أظهرهم، كما ينبىء عنه قوله: { رسولاً منهم } أي: من جملتهم نسباً، وهو: هود أو صالح، فإنهما - عليهما السلام - كانا منهم. قائلاً لهم: { أنِ اعبدوا الله ما لكم من إلهٍ غيرهُ أفلا تتقون } عذابه، الذي يقتضيه ما أنتم عليه من الشرك والمعاصي. { وقال الملأُ من قومه } ، ذكر مقال قوم هود، في جوابه، في الأعراف وهود بغير " واو " لأنه على تقدير سؤال سائل، قال: فما قال قومه؟ فقيل: قالوا: كيت وكيت، وهنا مع الواو لأنه عطفٌ لما قالوه على ما قاله الرسول ومعناه: حكاية قولهم الباطل إثر حكاية قول الرسول الحق، وليس بجواب للنبي متصل بكلامه، وجيء بالفاء في قصة نوح عليه السلام لأنه جواب لقوله، واقعٌ عَقِبَه،، أي: وقال الأشراف من قومه { الذين كفروا } ، وُصفوا بالكفر ذَماً لهم، وتنبيهاً على غُلوِّهم فيه، { وكذَّبوا بلقاء الآخرة } أي: بلقاء ما فيها من الحساب والثواب والعقاب وغير ذلك، أو بمعادهم إلى الحياة الثانية، { وأترفناهم }: نَعَّمناهم { في الحياة الدنيا } بكثرة الأموال والأولاد، أي: قالوا لأتباعهم، مُضلين لهم: { ما هذا } النبي { إلا بشرٌ مثلُكم } في الصفة والأحوال، والاحتياج إلى القِوام، ولم يقولوا: مثلنا تهويناً لأمره عليه السلام. ثم فسر المثلية بقوله: { يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون } أي: منه، فحذف لدلالة ما قبله عليه، { ولئن أطعتم بشراً مثلكم } فيما يأمركم به وينهاكم عنه، { إنكم إذاً لخاسرون } بالانقياد لمثلكم، ومن حمقهم أنهم أبَوْا اتِّباع مثلهم وعبدوا أعجز منهم. { أَيعدُكُمْ أنكم إِذا مِتُّم } - بالكسر والضم - من مات يُمات ويموت، { وكنتم تراباً وعظاماً } نخرة، { أنكم مُخْرَجُون } ، فأنكم الثانية، توكيد للأولى للفصل بينهما، والتقدير: أيعدكم أنكم مخرجون بالبعث إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً؟ { هيهات هيهاتَ } ، تكرير لتأكيد البُعد، وهو اسم فعل مبني على الفتح، واقع موقع بَعُد، فاعلها مضمر، أي: بعد التصديق أو الوقوع { لِما تُوعدون } من العذاب، أو فاعلها: " ما توعدون " ، واللام زائدة، أي بَعُد ما تعدون من البعث، وقيل: ما توعدون من البعث.

السابقالتالي
2