الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ ٱلْخَلْقِ غَافِلِينَ } * { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّٰهُ فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَٰدِرُونَ } * { فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ } * { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ }

قلت: " سيناء " ، مَنْ فتحها: جعل همزتها للتأنيث، فلم يصرفه للتأنيث والوصف، كحمراء، أو لألف التأنيث، لقيامه مقام علتين، ومن كسرها: لم يصرفه للتعريف والعجمة، وهذا البناء ليس من أبنية التأنيث، وإنما ألفُهُ ألف الإلحاق، كعلِباء وجِرباء. ونبت وأنبت: لغتان بمعنى واحد وكذلك سقى وأسقى. يقول الحق جل جلاله: { ولقد خلقنا فوقكم سبعَ طرائق } ، وهي السموات السبع، جمع طريقة لأنها طرق الملائكة وتقلباتها، وطرق الكواكب، فيها مسيرها { وما كنا عن الخلق غافلين } ، أراد بالخلق السموات، كأنه قال: خلقناها وما غفلنا عن حفظها وإمساكها، أو الناس، أي: خلقناها فوقكم لنفتح عليكم منها الأرزاق والبركات، وما كنا غافلين عنكم وعما يصلحكم، أو: خلقناها فوقكم، وما حالت بيننا وبينكم، بل نحن أقرب إليكم من كل شيء، فلا نغفل عن شيء من أمركم، قلَّ أو جلَّ. { وأنزلنا من السماء ماءً } هو المطر، وقيل: الأنهار النازلة من الجنة، وهي خمسة: سَيْحُون نهر الهند، وَجَيْحونُ نهر بلخ، ودِجْلَةُ والفُراتُ نهرا العراق، والنيل نهر مصر، أنزلها الله تعالى من عين واحدة من عيون الجنة. هـ. وقوله تعالى { بقدَرِ } أي: بتقدير، يَسْلَمون معه من المضرة، ويصلون إلى المنفعة، أو بمقدار ما علمنا بهم من الحاجة، أو: بقدر سابق لا يزيد عليه ولا ينقص، { فأسكناه في الأرض } أي: جعلناه ثابتاً قاراً فيها، كقوله:فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِى ٱلأَرْضِ } [الزمر: 21]، فماء الأرض كله من السماء، { وإنا على ذهاب به } أي: إزالته بالإفساد والتغوير، حيث يتعذر استنباطه، { لقادرون } كما كنا قادرين على إنزاله، وفي تنكير " ذهاب ": إيماء إلى كثرة طرقه، ومبالغة في الإيعاد به، ولذلك كان أبلغ من قوله:قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ } [الملك: 30]. ثم ذكر نتائجه، فقال: { فأنشأنا لكم به } أي: بذلك الماء { جنات من نخيلِ وأعنابِ لكم فيها } أي: في الجنات، { فواكهُ كثيرةٌ } تتفكهون بها سوى النخيل والأعناب، { ومنها تأكلون } أي من الجنات تأكلون تغذياً، وتفكهاً، أو تُرزقون وتحصِّلون معايشكم، من قولهم: فلان يأكل من حرفته، وهذه الجنة وجوه أرزاقكم منها ترزقون وتتمعشون، ويجوز أن يكون الضميران للنخيل والأعناب، أي: لكم في ثمرتها أنواع من الفواكه، الرطب والعنب، والتمر والزبيب، والعصير والدِّبْسُ، وغير ذلك وطعاماً تأكلونه. { و } أنبتنا به { شجرةً } هي الزيتون { تخرج من طُور سَيْناء } ، وهو جبل موسى عليه السلام بين مصر وأيلة، وقيل: بفلسطين، ويقال: فيه طور سنين، فإمَّا أن يكون الطور اسم الجبل، وسيناء اسم البقعة أضيف إليها، أو المركب منهما عَلَمٌ له، كامرئ القيس، وتخصيصها بالخروج منه، مع خروجها من سائر البقع، إما لتعظيمها، أو لأنه المنشأ الأصلي لها لأن أصل الزيتون من الشام، وأول ما نبت في الطور، ومنه نُقل إلى سائر البلاد، { تَنْبُتُ بالدُّهن } أي: متلبسة بالدهن، أي: ما يدهن به، وهو الزيت، { وصِبْغِ للآكلين } أي: إدام لهم، قال مقاتل: جعل الله في هذه إداماً ودُهناً، فالإدام: الزيتون، والدهن: الزيت.

السابقالتالي
2 3