الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي ٱلأَمْرِ وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ } * { وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { ٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } * { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّ ذٰلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } * { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ }

يقول الحقّ جلّ جلاله: { لكل أمةْ } من الأمم الخالية والباقية { جعلنا } أي: وضعنا، وعَيَّنا { منسَكًا }: شريعة خاصة يتمسكون بها، أي: عيّنا كل شريعة لأمة معينة من الأمم، بحيث لا تتخطى أمة منهم شريعتها المعينة لها إلى شريعة أخرى، لا استقلالاً ولا اشتراكًا، فكل جيل لهم شرع مخصوص، { هم ناسكوه }: عاملون به، فالأمة التي كانت من مبعث موسى إلى مبعث عيسى - عليهما السلام - منسكهم التوراة، هم عاملون به لا غيرهم. والتي كانت من مبعث عيسى عليه السلام إلى مبعث النبي صلى الله عليه وسلم منسكهم الإنجيل، هم ناسكوه وعاملون به. وأما الأمة الموجودة عند مبعث النبي - عليه الصلاة والسلام - ومن بعدهم إلى يوم القيامة فهم أمة واحدة، منسكهم القرآن، ليس إلا. والفاء في قوله: { فلا ينازعنك في الأمر } لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن تعيين كل أمة بشرع مخصوص، يجب اتباعه، يُوجب اتباع هؤلاء الموجودين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم منازعتهم له في أمر الدين، أي: فلا يجادلنك في أمر الدين، بل يجب عليهم الاستسلام والانقياد لكل أمر ونهي. أو: فلا تلتفت إلى قولهم، ولا تمكنهم من أن ينازعوك في الأمر، أي: أمر الدين أو أمر الذبائح. قيل: نزلت حين قال المشركون للمسلمين: ما لكم تأكلون ما قتلتم، ولا تأكلون ما قتله الله؟ يعني: الميتة، فأمر الله بالغيبة عنهم، وعدم الالتفات إلى قولهم. { وادعُ إلى ربك } أي: دم على الدعاء إلى الله، والتمسك بدينه القويم { إِنك لعلى هُدىً مستقيم }: طريق قويم موصل إلى الحق. { وإن جادلوك } بعد ظهور الحق مِراء وتعنتًا، كما يفعله السفهاء، بعد اجتهادك ألاَّ يكون بينك وبينهم تَنازع وجدال، { فقل اللهُ أعلمُ بما تعملون } أي: فلا تجادلهم، وادفعهم بهذا القول، والمعنى: إن الله عالم بأعمالكم وما تستحقون عليها من الجزاء، فهو يُجازيكم به. وهذا وعيد وإنذار، ولكن برفق ولين، يُجيب به العاقلُ كلَّ متعنت سفيه. قال تعالى: { اللهُ يحكمُ بينكم يومَ القيامةِ فيما كنتم فيه تختلفون } من أمر الدين، وهو خطاب من الله تعالى للمؤمنين والكافرين، تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما كان يلقى منهم. { ألم تعلم أن الله يعلمُ ما في السماء والأرض } ، الاستفهام للتقرير، أي: قد علمت أن الله يعلم كل ما يحدث في السماء والأرض، ولا يخفى عليه شيء من الأشياء، ومن جملتها: ما تقوله الكفرة وما يعملونه، { إِنَّ ذلك في كتاب } في اللوح المحفوظ، { إِنَّ ذلك على الله يسير } أي: علمه بجميع ذلك عليه يسير، فلا يخفى عليه معلوم، ولا يعسُر عليه مقدور. { ويعبدونَ من دون الله } أي: متجاوزين إياه، مع ظهور دلائل عظمته وقدرته وتوحيده، { ما لم يُنزل به سلطانًا }: حجة وبرهانًا، { وما ليس لهم به علمٌ } أي: وما ليس لهم بجواز عبادته علم من ضرورة أو استدلال، أي: لم يتمسكوا في عبادتهم لها ببرهان سماوي من جهة الوحي، ولا حملهم عليها دليل عقلي، بل لمجرد التقليد الرديء، { وما للظالمين من نصير } أي: وما للذين ارتكبوا مثل هذا الظلم العظيم من أحد ينصرهم، أو يصوب مذهبَهم، أو يدفع العذاب عنهم، حين يعتريهم بسبب ظلمهم.

السابقالتالي
2