الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } * { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } * { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ }

قلت: { أفلم }: الفاء عطف على مقدار أي أَغفلوا فلم يسيروا فيعتبروا، { فإنها }: ضمير القصة، أو مبهم يُفسره ما بعده. و { لن يخلف الله وعده }: حالية، أي: ينكرون مجيء العذاب الموعود، والحال: أنه تعالى لا يخلف وعده، أو اعتراضية مُبينة لما ذكر، و { إنَّ يومًا }: استئنافية، إن كانت الأولى حالية، ومعطوفة، إن كانت اعتراضية سيقت لبيان خطئهم. يقول الحقّ جلّ جلاله: { أَفَلَمْ يسيروا في الأرض } فيروا مصارعَ من أهلكهم اللهُ بكفرهم، ويشاهدوا آثارهم الدارسة وقصورهم الخالية، وديارهم الخربة، فيعتبروا. وهو حث لهم على السفر ليشاهدوا ذلك. { فتكون لهم } بسبب ما شاهدوه من مظان الاعتبار ومواطن الاستبصار { قلوبٌ يعقلون بها } ما يجب أن يُعقل من التوحيد ونحوه، { أو آذانٌ يسمعون بها } ما يجبُ أن يُسمع من الوحي أو من أخبار الأمم المهلكة ممن يجاورُهم من الناس فإنهم أعرف بحالهم. قال ابن عرفة: لما تضمن الكلام السابق إهلاك الأمم السالفة، وبقيت آثارهم خرابًا، عقبه بذم هؤلاء في عدم اتعاظهم بذلك. والسير في الأرض: إمَّا حسي، أو معنوي باعتبار سماع أخبارها من الغير، أو قراءتها في الكتب. فقوله: { فتكون لهم قلوب }: راجع للسير الحسي، وقوله: { أو آذان } للسير المعنوي. هـ. { فإنها لا تعمى الأبصارُ } الحسية، { ولكن تعمى القلوبُ } عن التفكر والاعتبار، أي: ليس الخلل في مشاعرهم، ولكن الخلل في عقولهم، باتباع الهوى والانهماك في الغفلة. وذكر الصدور للتأكيد، ونفي توهم التجوز لأن قلب الشيء: لبه، فربما يقال: إن القلب يراد به هذا العضو، ولكل إنسان أربع أعين: عينان في رأسه، وعينان في قلبه، وتسمى البصيرة، فإن انفتح ما في القلب، وعمي ما في الرأس فلا يضر، وإن انفتح ما في الرأس وانطمس ما في القلب لم ينفع، والتحق بالبهائم، بل هو أضل. ثم ذكر علامة عمى القلوب، وهو الاستهزاء بالوعد الحق، فقال: { ويستعجلونك بالعذاب } المتوعد به استهزاء وإنكارًا وتعجيزًا، { ولن يخلف الله وعده } أي: يستعجلون به، والحال أنه تعالى لا يخلف وعده أبدًا، وقد سبق الوعد به، فمن لا يخلف وعده فلا بد من مجيئه، ولو بعد حين. { وإِن يومًا عند ربك كألفِ سنةٍ مما تَعدُّون } أي: كيف يستعجلونك بعذاب من يومْ واحد من أيام عذابه في طول ألف سنة من سنيكم لأن أيام الشدة طُوال. وقيل: تطول حقيقة، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: " يَدْخُلُ الفُقَرَاءُ الجَنَّةَ قِبْلَ الأَغْنِيَاءِ بِنِصْفِ يَوْم، وذَلِكَ خَمْسِمِائِةِ سَنَةٍ " { وكأيِّن من قريةٍ أمليت لها وهي ظالمةٌ ثم أخذتُها } أي كثيرًا من أهل قرية كانوا ظالمين مثلكم، قد أمهلتهم حينًا وأمليت لهم، كما أمليت لكم، ثم أخذتهم بالعذاب والنكال بعد طول الإملاء والإمهال.

السابقالتالي
2