الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } * { ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } * { ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَـاةَ وَأَمَرُواْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأُمُورِ }

قلت: { إلا أن يقولوا } ، قيل: منقطع، وقال الزمخشري: في محل الجر، بدل من حق. هـ. وهو على طريق قول الشاعر:
لاَ عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِراعِ الكَتَائِبِ   
يقول الحقّ جلّ جلاله: { أُذِنَ } أي: رُخص وشرع، أو أَذن اللهُ { للذين يُقاتَلون } أي: يُقاتلهم الكفارُ المشركون، وحذف المأذون فيه لدلالة " يُقاتَلون " عليه، أي: في قتالهم، { بأنهم ظُلموا } أي: بسبب كونهم مظلومين، وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان مشركو مكة يؤذونهم أذىً شديدًا، وكانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين مضروبٍ ومشجوج، فيتظلمون إليه، فيقول لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اصبروا فإني لم أومر بالقتال " حتى هاجر، فنزلت هذه الآية. وهي أول آية نزلت في الجهاد، بعد ما نهى عنه في نيف وسبعين آية. { وإِنّ الله على نصرهم لقديرٌ }. وعدٌ لهم بالنصر، وتأكيد لِما مرّ من العِدَة الكريمة بالدفع، وتصريح بأن المراد ليس مجرد تخليصهم من يد المشركين، بل بغلبتهم وإظهارهم عليهم. وتأكيده بكلمة التحقيق. واللام لمزيد من تحقيق مضمونه، وزيادة توطين نفوس المؤمنين. ثم وصف الذين أَذن لهم، أو فسرهم، أو مدحهم بقوله: { الذين أُخرجوا من ديارهم } ، يعني مكة: { بغير حق } بغير ما يوجب إخراجهم { إلا أن يقولوا ربنا الله } أي: بغير موجب سوى التوحيد، الذي ينبغي أن يكون موجبًا للإقرار لا للإخراج. ومثله:هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ } [المَائدة: 59]. { ولولا دفعُ اللهِ الناسَ }: لولا أن يدفع الله الناس { بعضهم ببعض } بتسليط المؤمنين على الكافرين في كل عصر وزمان، وإقامة الحدود وكف المظالم، { لهُدِّمت } أي لخربت باستيلاء الكفرة على الملل، { صَوَامِعُ }: جمع صومَعة - بفتح الميم -، وهي: متعبد النصارى والصابئين منهم، ويسمى أيضًا الدير. وسُمي بها موضع الأذان من الإسلام: { وَبِيَعٌ }: جمع بيعة - بكسر الباء -: كنائس النصارى، { وصلوات }: كنائس اليهود، سميت بما يقع فيها، وأصلها: صلَوتا بالعبرانية، ثم عُربت، { ومساجد } للمسلمين، { يُذْكَرُ فيها اسمُ الله كثيرًا } أي: ذكرًا كثيرًا، أو وقتًا كثيرًا، صفة مادحة للمساجد، خُصت بها دلالةً على فضلها وفضل أهلها. وقيل يرجع للأربع، وفيه نظر فإنَّ ذكر الله تعالى في الصوامع والبيع والكنائس قد انقطع بظهور الإسلام، فَقَصْدُ بيانِه، بعد نسخ شرائعها مما لا يقتضيه المقام، ولا ترتضيه الأفهام. وقدمت الثلاثة على المساجد لتقدمها وجودًا، أو لقربها من التهديم. { ولينصرنّ اللهُ مَن ينصره } أي: وتالله، لينصرن الله من ينصر دينه ونبيه - عليه الصلاة والسلام - وأولياءه. ومن نصرِه: إشهاره وإظهاره، وتعليمه لمن لا يعلَمه، وإعزاز حامل لوائه من العلماء والأولياء.

السابقالتالي
2