الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ } * { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } * { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ } * { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَٱلصَّٰبِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمْ وَٱلْمُقِيمِي ٱلصَّلَٰوةِ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ } * { وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ }

يقول الحقّ جلّ جلاله: { ذلك } أي: الأمر ذلك، أو امتثلوا ذلك، { ومن يُعَظِّمْ شعائرَ الله } أي: الهدايا، فإنها معالم الدين وشعائره تعالى، كما يُنبئ عنه: { والبدن جعلناها لكم من شعائر الله } وتعظيمها: اعتقاد التقرب بها، وأن يختارها سِمَانًا حسانًا غالية الأثمان، رُوي " أنه صلى الله عليه وسلم أَهْدَى مِائَةَ بَدَنَةِ، فِيهَا جَمَلٌ لأَبِي جَهْلٍ، في أنْفِهِ بُرَةٌ مِنْ ذَهَب ". وأن عمر رضي الله عنه - أهدى نجيبة طُلبت منه بثلاثمائة دينار -. وقيل: شعائر الله: مواضع الحج، كعرفة ومنى والمزدلفة. وتعظيمها: إجلالها وتوقيرها، والتقصد إليها. وقيل: الشعائر: أمور الدين على الإطلاق، وتعظيمها: القيام بها ومراعاة آدابها. { فإِنها } أي: فإن تعظيمها { من تقوى القلوب } أي: من أفعال ذوي تقوى القلوب، فحذفت هذه المضافات. أو فإن تعظيمها ناشئ من تقوى القلوب لأنها مراكز التقوى. { لكم فيها منافع } من الركوب عند الحاجة، ولبنها عند الضرورة، { إِلى أجل مسمى } إلى أن تُنحر. ومن قال: شعائر الله: مواضع الحج، فالمنافع: التجارة فيها والأجر، والأجل المسمى: الرجوع إلى مكة لطواف الإفاضة. { ثم مَحِلُّها } منتهية { إِلى البيت العتيق } ، قال ابن جزي: من قال: إن الشعائر الهدايا، فمحلها موضع نحرها، وهي مِنى ومكة. وخصّ البيت بالذكر لأنه أشرف الحرم، وهو المقصود بالهدي. و " ثم " ، على هذا، ليست للترتيب في الزمان لأن محلها قبل نحرها، وإنما هي لترتيب الجمل. ومن قال: إن الشعائر مواضع الحج، فمحلها مأخوذ من إحلال المحرم، أي: آخر ذلك كله: الطواف بالبيت، أي: طواف الإفاضة إذ به يحل المحرم. هـ. أي: محل شعائر الحج كلها تنتهي إلى الطواف بالبيت، طواف الإفاضة. ومثله في الموطأ. { ولكلِّ أمة } جماعة مؤمنة قبلكم، { جعلنا منسَكًا } أي: مُتَعبدًا وقربانًا يتقربون به إلى الله - عزّ وجلّ - والمنسك - بالفتح -: مصدر، وبالكسر: اسم موضع النُسك، أي: لكلٍّ حعلنا عبادة يتعبدون بها، أو موضع قربان، يذبحون فيه مناسكهم، { ليذكروا اسمَ الله } دون غيره، { على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } أي: عند نحرها وذبحها، { فإِلهكم إِلهٌ واحدٌ } أي: اذكروا على الذبائح اسم الله وحده فإن إلهكم إله واحد، { فله أسلِمُوا } أي: فإذا كان إلهكم إلهًا واحدًا فأخلصوا له التقرب، أو الذكر خاصة، واجعلوه له سالمًا، لا تشوبوه بإشراك. { وبشر المخبتين } المطمئنين بذكر الله، أو المتواضعين، أو المخلصين، فإن الإخبات من الوظائف الخاصة بهم. والخَبْتُ: المطمئن من الأرض. وعن ابن عباس رضي الله عنه: هم الذين لا يظلمون، وإذا ظلموا لم ينتصروا. وقيل: تفسيره ما بعده، وهو قوله: { الذين إِذا ذُكرَ اللهُ وجِلَتْ قلوبُهم }: خافت منه هيبة لإشراق أشعة جلاله عليها.

السابقالتالي
2 3