الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } * { يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } * { يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ }

قلت: { لَمَن ضره }: قال ابن عطية: جرى فيه إشكال وهو دخول اللام على " مَنْ " ، وهو في الظاهر مفعول، واللام لا تدخل على المفعول. وأجيب بثلاثة أوجه أحدها: أن اللام متقدمة على موضعها، والأصل أن يقال: يدعو مَنْ لَضَرُّهُ أقرب، فموضعها الدخول على المبتدأ، وثانيها: أنَّ { يدعوا } تأكيد ليدعو الأول، وتم الكلام عنده، ثم ابتدأ قوله: { لَمَن ضره } ، فمن مبتدأ، وخبره: { لبئس المولى } - قلت -: وإياه اعتمد الهبطي في وقفه، وثالثها: أن معنى { يدعو }: يقول يوم القيامة هذا الكلام، إذا رأى مضرة الأصنام، فدخلت اللام على مبتدأ في أول الكلام. هـ. قلت والأقرب ما قاله الزجاج، وهو: أن مفعول { يدعو } محذوف، ويكون ضميرًا يعود على الضلال، وجملة: { يدعو }: حال، والمعنى: ذلك هو الضلال البعيد يدعوه، أي: حال كونه مدعوًا له، ويكون قوله: { لمن ضره } مستأنفًا مبتدأ، خبره: { لبئس المولى }. نقله المحشي. وحكم المحلي بزيادة اللام. يقول الحقّ جلّ جلاله: { ومن الناس من يعبد الله على حَرْفٍ } أي: على طرف من الدين لا ثبات له فيه، كالذي ينحرف إلى طرف الجيش، فإن أحس بظفر قرَّ، وإلا فر. وفي البخاري عن ابن عباس: " كان الرجل يَقدمُ المدينة، فإن ولدت امرأتُهُ غلامًا ونُتجَتْ خَيْلُه، قال: هذا دينٌ صالح، وإن لم تَلِد امرأته، ولم تنتج خيلُه، قال: هذا الدين سُوء ". وكأن الحق تعالى سلك في الآية مسلك التدلي، بدأ بالكافر المصمم، يجادل جدالاً مجملاً، يتبع فيه كل شيطان مريد. والثاني: مقلد مجادل، من غير دليل ولا برهان، والثالث: كافر أسلم إسلامًا ضعيفًا. ثم قابل الأقسام الثلاثة بضدهم، بقوله: { إن الله يدخل الذين آمنوا... } الآية. ثم كمَّل حال المذبذب بقوله: { فإِن أصابه خيرٌ } أي: دنيوي من الصحة في البدن، والسعة في المعيشة، { اطمأن به } أي: ثبت على ما كان عليه ظاهرًا، لا أنه اطمأن به اطمئنان المؤمنين، الذين لا يلويهم عنه صارف، ولا يثنيهم عنه عاطف. { وإِن أصابته فتنةٌ }: بلاء في جسده، وضيق في معيشته، أو شيء يفتتن به، من مكروه يعتريه في بدنه أو أهله أو ماله، { انقلب على وجهه } أي: ارتد ورجع إلى الكفر، كأنه تنكس بوجهه إلى أسفل. أو انقلب على جهته التي كان عليها. وتقدم عن ابن عباس أنها نزلت في أعاريب قدموا المدينة، مهاجرين، فكان أحدهم إذا صحَّ بدنه ونتجَتْ فَرَسُه مُهْرًا سريًا، وولدت امرأته غلامًا سويًا، وكَثُرَ مالُه وماشيته، قال: ما أصبتُ، مذ دخلت في ديني هذا، إلا خيرًا، واطمأن، وإن كان الأمر خلافه، قال: ما أصبتُ إلا شرًّا، وانقلب عن دينه. وعن أبي سعيد رضي الله عنه: أَنَّ يهُوديًا أَسْلَمَ فَأَصابَتْهُ مَصَائبُ، وتَشَاءَمَ بالإِسْلامِ، فَأَتَى النَّبي صلى الله عليه وسلم فَقَال: أَقِلْنِي، فقال:

السابقالتالي
2 3