الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } * { وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }

قلت: { فِجَاجًا }: حال من " سُبل " ، وأصله: وصف له، فلما تقدم أُعرب حالاً. وقيل { سُبُلاً }: بدل من { فجاجًا }. وفي إتيانه: إيذان أن تلك الفجاج نافذة لأن الفج قد يكون نافذًا وقد لا. قاله المحشي. يقول الحقّ جلّ جلاله: { أوَ لَمْ يَر الذين كفروا } رؤية اعتبار { أنّ السماواتِ والأرضَ } أي: جماعة السماوات وجماعة الأرض { كانتا } ، ولذلك لم يقل كُنَّ، { رَتْقًا } أي: ملتصقة بعضها ببعض. والرتق: الضم والالتصاق. وهو مصدر بمعنى المفعول، أي: كانتا مرتوقتين، أي: ملتصقتين، { ففتقناهما } فشققناهما، فالفتق ضد الرتق. قال ابن عباس رضي الله عنه: " كانتا شيئًا واحدًا متصلتين، ففصل الله بينهما، فرفع السماء إلى حيث هي، وأقرّ الأرض ". وفي رواية عنه: أرسل ريحًا فتوسطتهما ففتقتهما. وقال السدي: كانت السماوات مؤتلفة طبقة واحدة ففتقها، فجعلها سبع سماوات، وكذلك الأرض، كانت طبقة واحدة، ففتقها، فجعلها سبع أرضين. فإِن قيل: متى رأوهما رتقًا حتى جاء تقريرهم بذلك؟ قلنا: مصب الكلام والتقرير هو فتق السماوات ورفعها، وهو مشاهد بالأبصار، وهم متمكنون من النظر والاعتبار، فيعلمون أن لها مدبرًا حكيمًا، فَتَقَهَا ورفعها، وهو الحق جلّ جلاله، وذكر الرتق زيادة إخبار، فكأنه قال: ألم يروا إلى فتق السماوات ورفعها؟ وقال الكواشي: لَمّا كان القرآن معجزًا، كان وروده برتقهما كالمشاهد المرئي، أو: لمّا كان تلاصق السماوات والأرضين، وما بينهما، وتباينهما، جائزًا عقلاً، وجب تخصيص التلاصق من التباين، وليس ذلك إلا لله تعالى. هـ. وقيل: كانت السماوات صلبة لا تمطر، والأرض رتقًا لا تنبت، ففتق السماء بالأمطار، والأرض بالنبات. ورُوي هذا عن ابن عباس أيضًا، وعليه أكثر المفسرين، وعِلْمُ الكفرةِ الرتقِ والفتق، بهذا المعنى، مما لا خفاء فيه. والرؤية على الأول رؤية علم، وعلى الثاني رؤية عين. { وجعلنا من الماء كل شيءٍ حيٍّ } أي: خلقنا من الماء كل حيوان، كقوله تعالى:وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ } [النُّور: 45]، وذلك لأنه من أعظم مواده، أو لفرط احتياجه إليه، وحبه له، وعدم صبره عنه، وانتفاعه به، ويدخل في ذلك: النبات مجازًا دون الملائكة، فأَلْ فيه للحقيقة والماهية، إلا أنه صرفه عن ذلك إلى العهد الذهني قرينةُ الجعل، كما في آية:فَأَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ } [يُوسُف: 17]، فإن القرينة تخلص ذلك للبعضية وإرادة الأشخاص. وقيل المراد به: المَنِيُّ. فأَلْ فيه، حينئذ، للعهد الذهني فقط. قال القشيري: كُلُّ مخلوقٍ حيٍّ فَمِنَ الماء خَلْقُه، فإنَّ أصلَ الحيوان الذي يحصل بالتناسل النطفةُ، وهي من جملة الماء. هـ. وتقدم أن الملائكة لا تناسل فيها. { أفلا يؤمنون } بالله وحده، وهو إنكار لعدم إيمانهم، مع ظهور ما يُوجبه حتمًا من الآيات الآفاقية والأنفُسية، الدالة على تفرده تعالى بالألوهية.

السابقالتالي
2 3