الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ }

قلت: { يوم }: ظرف لاذكر، أو لقوله: { لا يحزنهم الفزع } ، أو لتتلقاهم. والسجل: الصحيفة، والكتاب: مصدر، و { كما بدأنا }: منصوب بمضمر، يُفسره ما بعده، و { ما }: موصولة. يقول الحقّ جلّ جلاله: واذكر { يوم نَطْوِي السماءَ } وذلك يوم الحشر والناس في الموقف، فتجمع وتُكوّر وتُطوى { كطَيِّ السِّجِلِّ } الصحيفة { للكتاب } أي: لأجل الكتابة فيها لأن الكاتب يطوي الصحيفة على اثنين ليكتب فيها. فاللام للتعليل، أو بمعنى " على " ، أي: كطي الصحيفة على الكتابة التي فيها، لتُصان، وقرأ أبو جعفر: " تُطوى " بالبناء للمفعول. وذلك بمحو رسومها وتكوير نجومها وشمسها وقمرها. وأصل الطي: الدرج، الذي هو ضد النشر. وقرأ الأخوان وحفص: { للكُتُبِ } بالجمع، أي: للمكتوبات، أي: كطي الصحيفة لأجل المعاني الكثيرة التي تكتب فيها، أو كطيها عليها لتُصان. فالكتاب أصله مصدر، كالبناء، ثم يوقع على المكتوب. وقيل: السجل: ملك يطوي كتب ابن آدم، إذا رفعت إليه، فالكتاب، على هذا، اسم للصحيفة المكتوب فيها، والطي مضاف إلى الفاعل، وعلى الأول: إلى المفعول. { كما بدأنا أول خَلقٍ نُعيده } أي: نعيد ما خلقنا حين نبعثهم، كما بدأناهم أول مرة، فالتنوين في { خَلقٍ } مثله في قولك: أول رجلٍ جاءني، تريد أول الرجال والتقدير: كما بدأنا أول الخلائق، نعيدهم حفاةً عراة غُرلاً. قال صلى الله عليه وسلم: " إنَّكُمْ تَحْشَرُونَ يَوْمَ القيَامَة حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً. وأول مَنْ يُكْسَى إبْرَاهِيمُ خليلُ الله " ، أي: لأنه جرد في ذات الله، فقالت عائشة - رضي الله عنها -: واسوءتاه! فلا يحتشم الناس بعضهم من بعض؟ فقال: " لكل امرئ منهم يومئذ شأن يُغنيه " ثم قرأ - عليه الصلاة والسلام -: { كما بدأنا أول خلق نعيده }. كما بدأناه من الماء نعيده كيوم ولدته أمه. قلت: قد استدل بعضهم، بظاهر الآية والحديث، أن أهل الجنة ليس لهم أسنان، ولا دليل فيه لأن المقصود من الآية: الاستدلال على كمال قدرته تعالى، وعلى البعث الذي تُنكره الكفرة، لا بيان الهيئة، وعدمُ وجودها نقصان، ولا نقص في الجنة. ثم أكد الإعادة بقوله: { وعدًا علينا } أي: نُعيده وعدًا، فهو مصدر مؤكد لغير فعله بل لِمَا في " { نعيده } من معنى العِدة، أي: وعدنا ذلك وعدًا واجبًا علينا إنجازه لأنا لا نُخلف الميعاد، { إِنا كنا فاعلين } لما ذكرنا لا محالة، فاستعدوا له، وقدِّموا صالح الأعمال للخلاص من هذه الأهوال. وبالله التوفيق. الإشارة: إذا أشرقت على القلب شموسُ العرفان، انطوت عن مشهده وجودُ الأكوان، وأفضى إلى فضاء العيان، فلا سماء تظله ولا أرض تحمله، وفي ذلك يقول الششتري رضي الله عنه:
لقد تجلى ما كان مخبى والكون كُلٌّ طويت طي