الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } * { مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ } * { لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } * { قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ ٱلْقَوْلَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { بَلْ قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ ٱلأَوَّلُونَ } * { مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ }

{ ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ... } قلت: { وهم }: مبتدأ، و { في غفلة }: خبر، و { معرضون }: خبر بعد خبر، والجملة: حال من الناس. و { من ذِكْر }: فاعل بيأتي. و { مِن }: صلة، و { من ربهم }: صفة لذكر، أي: حاصل من ربهم، أو متعلق بيأتيهم، أو صفة لذكر، وجملة { استمعوه }: حال من مفعول " يأتيهم " ، بإضمار { قد } أو بدونه، والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال. و { هم يلعبون }: حال أيضًا من فاعل " استمعوه " ، و { لاهية }: حال من واو " يلعبون " ، و { قلوبهم }: فاعل بلاهية. يقول الحقّ جلّ جلاله: { اقتربَ للناس حسابُهُم } أي: قَرُبَ قيام الساعة التي هي محل حسابهم. قال ابن عباس: " المراد بالناس: المشركون " وهو الذي يُفصح عنه ما بعده ولم يقل تعالى: " اقترب حساب الناس " ، بل قدّم لام الجر على الفاعل للمسارعة إلى إدخال الروعة، فإن نسبة الاقتراب إليهم من أول الأمر مما يسوؤهم ويورثهم رهبة وانزعاجًا، كما أن تقديم اللام في قوله تعالى:خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } [البَقَرَة: 29] لتعجيل المسرة لأن كون الخلق لأجل المخاطبين مما يسرهم ويزيدهم رغبة وشوقًا إليه تعالى. وفي إسناد الاقتراب إلى الحساب المنبئ عن التوجه نحوهم، مع صحة إسناد الاقتراب إليهم بأن يتوجهوا نحوه، من تفخيم شأنه، وتهويل أمره، ما لا يخفى، لِمَا فيه من تصويره بشيء مقبل عليهم، لا يزال يطلبهم حتى يصيبهم لا محالة. ومعنى اقترابه: دنوه منهم شيئًا فشيئًا حتى يلحقهم لأن كل آت قريب، أي: دنا حساب أعمالهم السيئة الموجبة للعقاب. { وهم في غفلةٍ } تامة منه، ساهون بالمرة عنه، غير ذاكرين له، لا أنهم غير مبالين به، مع اعترافهم بإتيانه، بل هم منكرون له، كافرون به، { معرضون } عن الآيات والنُذر المنبهة لهم عن سِنة الغفلة. { ما يأتيهم من ذكر } أي: من طائفة نازلة من القرآن، تذكر ذلك الحساب، وتنبههم عن الغفلة عنه، كائن أو نازل { من ربهم } ، أو ذاكر ومذكر من ناحية ربهم. وفي إضافته إليه سبحانه دلالة على شرفه، وكمال شناعة ما فعلوه من الإعراض عنه، وفي التعبير بعنوان الربوبية تشنيع لكمال عتوهم، ومِنْ صفة ذلك الذكر { مُّحْدَث } تنزيله بحسب اقتضاء الحكمة، بمعنى أنه نزل شيئًا فشيئًا، أو قريب عهد بالنزول، فمعاني القرآن قديمة، وإظهاره بهذه الحروف والأصوات حادث. وقال ابن راهويه: قديم من رب العزة، محدث إلى أهل الأرض. فما ينزل عليهم شيء من القرآن يذكرهم ويعظهم { إِلا استمعوه وهم يلعبون } لا يتعظون به، ولا يتدبرون في معانيه، { لاهيةً قلوبُهم } ساهية، معرضة عن التفكر والتدبر في معانيه.

السابقالتالي
2 3 4