الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يٰسَامِرِيُّ } * { قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } * { قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً } * { إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً }

يقول الحقّ جلّ جلاله: { قال } موسى عليه السلام في توبيخ السامري: { فما خطبُك يا سامريُّ } أي: ما شأنك، وما مطلوبك فيما فعلتَ من فتنة القوم؟ خاطبه بذلك ليظهرَ للناس بطلانُ كيده باعترافه، وليفعل به وبما صنع من العقاب ما يكون نكالاً للمفتونين به، ولمن خلفهم من الأمم من بعده، { قال } السامري في جوابه: { بَصُرْتُ بما لم يَبْصُرُوا به } أي: علمت ما لم يعلمه القوم، وفطِنت لما لم يفطنوا به، أو رأيتُ ما لم يروه، وهذا أنسب، وقد كان رأى جبريل عليه السلام، جاء راكبًا فرسًا، وكان كلما رفع الفرسُ يده أو رجله عن الطريق اليبس، اخضر ما تحت قدمه بالنبات، فعرف أن له شأنًا، فأخذ من موطئه شيئًا من التراب. وذلك قوله تعالى: { فقبضتُ قبضةً من أَثَرِ الرسولِ } أي: أثر فرس الرسول، وهو جبريل، الذي أرسل إليك ليذهب بك إلى الطور. وقال في اللباب: كان السامري من المقربين لموسى عليه السلام، فرأى جبريلَ راكبًا على فرس، وقد دخل البحر فانفلق، فأخذ من أثره، ولم ير ذلك إلا من كان مع موسى. هـ. وقال قتادة: كان السامري عظيمًا في بني إسرائيل، من قبيلة يقال لها: سامرة، ولكن عدو الله نافق، بعدما قطع البحرَ مع بني إسرائيل، فلما مرت بنو إسرائيل بالعمالقة، وهم يعكفون على أصنام لهم، وكانوا يعبدون البقر،قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } [الأعرَاف: 138]. فاغتنمها السامري فاتخذ العجل. هـ. وقال الكواشي: وإنما عرف السامريُّ جبريلَ من بين سائر الناس لأن أمه ولدته في السنة التي يُقتل فيها الغلمان، فوضعته في كهف حذرًا عليه، فبعث الله تعالى جبريل ليربيه لِمَا قضى على يديه من الفتنة. هـ. وضعّفه ابن عطية. قلت: ولعل تضعيفه من جهة النقل، وأما القدرة فهي صالحةَ ليقضي الله أمرًا كان مفعولاً. ثم قال: فأخذت تلك القبضة { فنبذتُها } في فم تلك الصورة المذابة من الحُليّ، فصارت تخور، { وكذلك سَوَّلَتْ لي نفسي } أي: زينت. والإشارة: نعت لمصدر محذوف، أي: سَوَّلَتْ لي نفسي تسويلاً كائنًا مثل ذلك التسويل البديع. وحاصل جوابه: أن ما فعله إنما صدر منه بمحض اتباع هوى النفس الأمارة وإغوائها، لا لشيء آخر من البرهان العقلي أو الإلهام الإلهي، فند ذلك { قال } له موسى عليه السلام: { فاذهبْ } أي: اخرج من بين الناس، { فإِنَّ لك في الحياة } أي: في مدة حياتك، { أن تقولَ لا مِسَاس } والمعنى: أن لك في مدة حياتك أن تفارقهم مفارقة كلية، لا بحسب الاختيار، بل بحسب الاضطرار الملجئ إليه، وذلك أنه تعالى رماه بداء عقام، لا يكاد يَمَسُّهُ أحد، أو يمسُّ أحدًا، إلا حُمّ من ساعته حمى شديدة، فتحامَى الناسَ وتحاموه، وكان يَصيح بأقصى طوقه: لا مساس.

السابقالتالي
2 3