الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ } * { قَالَ هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ } * { قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ } * { فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ يٰقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي } * { قَالُواْ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَـٰكِنَّا حُمِّلْنَآ أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ ٱلْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى ٱلسَّامِرِيُّ } * { فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُواْ هَـٰذَآ إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ }

يقول الحقّ جلّ جلاله لموسى عليه السلام، لما ذهب إلى الطور، لموافاة الميقات، للعهد الذي عهد إليه، واختار سبعين من بني إسرائيل، يحضرون معه لأخذ التوراة بأمره تعالى، فلما دنا من الجبل حمله الشوق، فاستعجل إلى الجبل، وترك قومه أسفله، فقال له الحق جلّ جلاله: { وما أعجَلَكَ عن قومك يا موسى } أي: ما حملك على العَجَلَة، وأيُّ شيء أعجلك منفردًا عن قومك، وقد أمرتك باستصحابهم، ولعل في إفرادك عنهم عدم اعتناء بهم؟ فأجاب عليه السلام بقول: { هُمْ أُولاءِ على أَثَري } أي: هم هؤلاء قريبًا مني، فهُم معي، وإنما سبقتهم بخطا يسيرة، ظننت أنها لا تُخلُّ بالمعية، ولا تقدح في الاستصحاب، فإن ذلك مما لا يُعتد به فيما بين الرفقة. قال الكواشي: ولما كان سُؤال الرب تعالى لموسى يقتضي شيئين: أحدهما: إنكار العَجَلة، والثاني: السؤال عن السبب والحامل عليها، كان أهم الأمرين إلى موسى بسَطَ العذر وتمهيد العلة في نفس ما أنكر عليه، فاعتل أن قال: إن ما وُجدَ مني تقدم يسير، لا يُعتد بمثله في العادة لقربه، كما يتقدم الوفدَ رئيسُهم ومُتقدمُهم، ثم عقبه بجواب السؤال فقال: { عَجِلْتُ إِليك رَبِّ لِترضَى } لتزداد عني رضا لمسارعتي إلى الامتثال لأمرك، واعتنائي بالوفاء بعهدك لأنه ظن أن إسراعه إليه أبلغ في رضاه. وفي هذا دليل على جواز الاجتهاد للأنبياء - عليهم السلام - والمعنى: لتعلم أني أُحبك ولا قرار لي مع غيرك. هـ. وقال القشيري: { هم أولاء على أثري } ما خلَّفْتُهم لتضييعي إياهم، ولكن عَجِلْتُ إليك ربِّ لترضى. قال: يا موسى، رضائي في أن تكون مَعهم، ولا تتقدمهم ولا تَسْبِقَهم، وكونُكَ مع الضعفاءِ، الذين استصحبتهم في حصول رضاي، أبلغُ مِن تَقَدُّمِكَ عليهم. هـ. { قال } له تعالى: { فإِنا فتنَّا قومَك من بعدِك } أي: ابتليناهم بعبادة العجل من بعد ذهابك من بينهم. رُوِيَ أنهم أقاموا على ما وصاهم به موسى عليه السلام عشرين ليلة، بعد ذهابه، فحسبوها مع أيامها أربعين، وقالوا: قد أكملنا العدة، وليس من موسى عين ولا أثر، وكان وعدهم أن يغيب عنهم أربعين يومًا، واستخلف هارون على من بقي منهم، وكانوا ستمائة ألف، فافتتنوا بعبادة العجل كلهم، ما نجا منهم إلا اثنا عشر ألفًا. وهذا معنى قوله تعالى: { وأضلَّهُمُ السامريُّ } ، حيث كان هو السبب في فتنتهم، فقال لهم: إنما أخلف موسى عليه السلام ميعادكم لِمَا معكم من حُليّ القوم، فهو حرام عليكم، فكان من أمر العِجل ما يأتي تفسيره إن شاء الله. فإخباره تعالى بهذه الفتنة عند قدومه عليه السلام، قبل وقوعها، إما باعتبار تحققها في علمه تعالى، وإما باعتبار التعبير عن المتوقع بالواقع، كما في قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3