الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ } * { كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ } * { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ }

يقول الحقّ جلّ جلاله: لبني إسرائيل، بعد ما أنجاهم من الغرق، وأفاض عليهم من فنون النعم الدينية والدنيوية: { يا بني إِسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم } فرعون وقومه، حيث كانوايَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ } [البَقَرَة: 49]، { ووعدناكم جانبَ الطُّورِ الأيمنِ } أي: واعدناكم بواسطة نبيكم، إتيان جانب الطور، الجانب الأيمن منه للمناجاة وإنزال التوراة. وهل هو الطور الذي أبصر فيه النار ووقعت فيه الرسالة، أو غيره؟ خلاف. ونسبة المواعدة إليهم مع كونه لموسى عليه السلام خاصة، أو له وللسبعين المختارين، نظرٌ إلى ملابستها إياهم، وسراية منفعتها إليهم، وإعطاء لمقام الامتنان حقه. كما في قوله تعالى:وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ } [الأعرَاف: 11] حيث نسب الخلق والتصوير للمخاطبين، مع أن المخلوق كذلك هو آدم عليه السلام. ثم قال تعالى: { ونزَّلنا عليكم } حين تُهتم، { المنَّ والسَّلْوى } أي: الترنجبين والطير السُّماني، حيث كان ينزل عليهم المنَّ وهم في التيه، مثل الثلج، من الفجر إلى الطلوع، لكل إنسان صالح، ويبعث الجنوب عليهم السُّماني، فيذبح الرجل منه ما يكفيه. وقلنا لهم: { كُلوا من طيباتِ ما رزقناكم } أي: من لذائده، أو حلاله. وفي البدء بنعمة الإنجاء ثم بالنعمة الدينية ثم بالنعمة الدنيوية من حسن الترتيب ما لا يخفى. { ولا تطغَوا فيه } أي: فيما رزقناكم بالإخلال بشكره، والتَعدي لما حَدَّ لكم فيه، كالترفه والبطر والمنع من المستحق. وقال القشيري: مجاوزة الحلال إلى الحرام، أو بالزيادة على الكفاف وما لا بُدَّ منه، فأزاد على سدِّ الرمق، أو بالأكل على الغفلة والنسيان. هـ. وقيل: لا تدخروا، فادَّخروا فتعودوا، وقيل: لا تنفقوه في المعصية، { فيَحِلَّ عليكم غضبي } بفعل شيء من ذلك، أي: ينزل ويجب، من حَلَّ الدين إذا وجب. { ومَن يَحْلِلْ عليه غضبي فقد هَوَى } أي: تردَّى وهلك، أو وقع في المهاوي. { وإِني لغفارٌ } أي: كثير الغفران { لمن تابَ } عن الشرك والمعاصي، التي من جملتها الطغيان فيما ذكر، { وآمن } بما يجب الإيمان به، { وعَمِلَ صالحًا } أي: عملاً صالحًا مستقيمًا عند الشرع، وفيه ترغيب وحث لمن وقع في زلَّة أو طغيان على التوبة والإيمان، { ثم اهتدى } أي: استقام على الهدى ودام عليها حتى مات. وفيه إشارة إلى أن من لم يستمر عليها بمعزل عن الغفران. قال الكواشي: { ثم اهتدى } أي: علم أن ذلك بتوفيق من الله تعالى. هـ. الإشارة: إذا ذهبت عن العبد أيام المحن، وجاءت له أيام المنن، فينبغي له أن يتذكر ما سلف له من المحن، وينظر ما هو فيه الآن من المنن، ليزداد شكرًا وتواضعًا، فتزداد نعمه، وتتواتر عليه الخيرات. وأما إن نسي أيام المحن، ولم يشكر ما هو فيه من المنن، فحقيق أن تزول عنه، ويرجع إلى ما كان عليه.

السابقالتالي
2