الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ } * { قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ } * { فَتَنَازَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } * { قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ } * { فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ ٱلْيَوْمَ مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ } * { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ } * { قَالَ بَلْ أَلْقُواْ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ } * { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ } * { قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ } * { وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوۤاْ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ }

قلت: { إن هذان لساحران }: مَنْ خَفَّفَ { إن }: جعلها نافية، أو مخففة، واللام فارقة. ومَنْ ثَقَّلها وقرأها: { هذان } بالألف، فقيل: على لغة بلحارث بن كعب وخثعم وكنانة، فإنهم يَلْزَمُونَ الألف رفعًا ونصبًا وجرًا، ويُعرِبُونَها تقديرًا، وقيل: اسمها: ضمير الشأن، أي: إنه الأمر والشأن هاذان لهما ساحران. وقيل: " إن " بمعنى " نعم " ، لا تعمل، وما بعدها: جملة من مبتدأ وخبر. وقالت عائشة - رضي الله عنها -: إنه خطأ من الكُتاب، مثل قوله:وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلاَةَ } [النِّساء: 162]،وَٱلصَّابِئُونَ } [المائدة: 69]، في المائدة، ويرده تواتر القراءة. يقول الحقّ جلّ جلاله: { فتولَّى فرعونُ } أي: انصرف عن المجلس، ورجع إلى وطنه، { فجمعَ كيده } أي: حِيلَه وسَحرته ليكيد به موسى عليه السلام، { ثم أتى } الموعد، ومعه ما جمعه من كيده وسحرته، وسيأتي عددهم. { قال لهم موسى } ، حيث اجتمعوا من طريق النصيحة: { ويلَكُم } أي: ألزمَكم اللهُ الويل، إن افتريتم على الله الكذب، { لا تفتروا على الله كذبًا } بإشراك أحد معه، كما تعتقدون في فرعون، أو بأن تحيلوا الباطل حقًا، { فَيُسْحِتَكم } أي: يستأصلكم، بسببه، { بعذابٍ } لا يُقَادَر قدره، وقرئ رباعيًا وثلاثيًا، يقال: سحت وأسحت. فالثلاثي: لغة أهل الحجاز، والرباعي: لغة بني تميم ونجد. { وقد خاب } وخسر { مَن افترى } على الله، كائنًا من كان، بأي وجه كان، فيدخل الافتراء المنهي عنه دخولاً أوليًا، أو: قد خاب فرعون المفتري على الله، فلا تكونوا مثله في الخيبة. { فتنازعوا } أي: السحرة، حين سمعوا كلامه عليه السلام، { أمرَهُم } أي: في أمرهم الذي أريد منهم من مغالبته عليه السلام، وتشاوروا وتناظروا { بينهم } في كيفية المعارضة، وتشاجروا، ورددوا القول في ذلك، { وأسَرُّوا النجوى } أي: من موسى عليه السلام لئلا يقف عليه فيدافعه، ونجواهم على هذا هو قوله: { قالوا إِنْ هذان } أي: موسى وهارون، { لساحران } عظيمان { يُريدان أن يُخرجاكم من أرضكم } مصر، بالاستيلاء عليها { بسحرهما } الذي أظهره قبل، { ويَذْهبا بطريقتكُمُ المثلى } أي: بمذهبكم، الذي هو أفضل المذاهب وأمثلُها، بإظهار مذهبهما وإعلاء دينهما. قال ابن عطية: والأظهر، في الطريقة هنا، أنه السيرة والمملكة. والمُثلى: تأنيث الأمثل، أي: الفاضلة الحسنة. هـ. وقيل: الطريقة هنا: اسم لوجوه القوم وأشرافِهم، لأنهم قدوة لغيرهم، والمعنى: يريدان أن يصرفا وجوه الناس وأشرافَهم إليهما، ويُبطلان ما أنتم عليه. وقال قتادة: طريقتهم المثلى يومئذ: بنو إسرائيل، كانوا أكثر القوم عددًا وأموالاً، فقال فرعون: إنما يريدان أن يذهبا به لأنفسهما. ولا شك أن حمل الإخراج على إخراج بني إسرائيل من بينهم، مع بقاء قوم فرعون على حالهم آمِنين في ديارهم بعيد، مما يجب تنزيه التنزيل عن أمثاله. وقوله تعالى: { فأجْمِعُوا كيدكم }: تصريح بالمطلوب، أي: إذا كان الأمر كما ذكر، من كونهما ساحرين يُريدان إخراجكم من بلادكم، فأجمعوا كيدكم، أي: اجعلوه مُجمعًا عليه، بحيث لا يتخلف عنه واحد منكم، وارموه عن قوس واحدة.

السابقالتالي
2 3