الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ } * { قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يٰمُوسَىٰ } * { فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَٱجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوًى } * { قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى }

قلت: { موعدًا }: مصدر، مفعول أول لـ { اجعل }. و { مكانًا }: مفعول بفعل محذوف، أي: تعدنا مكانًا سُوى، لا بموعد، لأنه وصف، ويجوز نصبه على إسقاط الخافض، و { يوم الزينة }: على حذف مضاف، أي: مكان يوم الزينة، و { أن يحشر }: عطف على يوم، أو الزينة. يقول الحقّ جلّ جلاله: { ولقد أريناه } أي: فرعون، { آياتنا } ، حين قال له:فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ } [الشُّعَرَاء: 31-33]، وعبّر بالجمع، مع كونهما اثنتين، باعتبار ما في تضاعيفهما من الخوارق، التي كل واحدة منها آية. وقد رأى فرعونُ من هاتين الآيتين أمورًا دواهي، فإنه روى أنه عليه السلام، لما ألقى العَصا، انقلبت ثعبانًا أشعر، فاغرًا فاه، بين لَحْيَيْهِ ثمانون ذراعًا، وضع لحيه الأسفل على الأرض، والأعلى على سور القصر، ثم توجه نحو فرعون، فهرب وأحدث، وانهزم الناس مزدحمين، فمات منهم خمسة وعشرون ألفًا من قومه، فصاح فرعون: يا موسى أُنشدك الذي أرسلك إلا أخذته، فأخذه، فعاد عصًا. ورُوي أنها، لما انقلبت حية ارتفعت في السماء قدر ميل، ثم انحطت مقبلة نحو فرعون، وجعلت تقول: يا موسى مُرني بما شئت، ويقول فرعون: أنشدك... الخ. ونزع يده من جيبه، فإذا هي بيضاء بياضًا نورانيًا خارجًا عن العادة. ففي تضاعيف كُلٍّ من الآيتين آيات جمة، لكنها لما كانت غير مذكورة بالصراحة، أكدت بقوله تعالى: { كلَّها } ، كأنه قيل: أريناه آياتنا بجميع مستتبعاتها وتفاصيلها، قصدًا إلى بيان أنه لم يبق له في ذلك عذر. وقيل: أريناه آياتنا التسع، وهو بعيد لأنها إنما ظهرت على يده عليه السلام بعد ما غلبت السحرة على مَهَل، في نحو من عشرين سنة، والكلام هنا قبل المعارضة، اللهم إلا أن يكون الحق تعالى أخبرنا أنه أراه الآيات التسع كلها، فأبى عن الإيمان، ثم رجع إلى إتمام القصة. وأبعد منه: من عَدّ في الآيات ما جُعِل لإهلاكهم، لا لإرشادهم إلى الإيمان من فلق البحر، وما ظهر بعد مهلكه من الآيات الظاهرة لبني إسرائيل من نتق الجبل والحجر، وغير ذلك، وكذلك من عَدّ منها الآيات الظاهرة على يد الأنبياء - عليهم السلام - حيث حكاها موسى عليه السلام لفرعون، بناء على أن حكايته إياها له في حكم إظهارها بين يديه لاستحالة الكذب عليه، فإنَّ حكايته إياها لفرعون مما لم يجر ذكره هنا، فكل هذا بعيد من سياق النظم الكريم. قال تعالى: { فَكَذَّبَ } فرعونُ موسى، { وأَبَى } الإيمان والطاعة، مع ما شاهد على يده من الشواهد الناطقة بصدقه. جحودًا وعنادًا لعتوه واستكباره، وقيل: كذَّب بالآيات جميعًا، وأبَى أن يقبل شيئًا منها.

السابقالتالي
2