الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي } * { ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } * { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } * { قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَىٰ } * { قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } * { فَأْتِيَاهُ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَٱلسَّلاَمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰ } * { إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنَّ ٱلْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ }

يقول الحقّ جلّ جلاله: لسيدنا موسى عليه السلام: { اذهب أنت وأخوك } أي: ليذهب معك أخوك { بآياتي }: بمعجزاتي التي أريتكَهَا، من اليد والعصا، فإنهما وإن كانتا اثنتين، لكن في كل واحدة منهما آيات، فإنَّ في انقلاب العصا حيوانًا: آية، وكونها ثعبانًا عظيمًا: آية، وسرعة حركته، مع عِظَمِ جرمه: آية، وكذلك اليد فإنَّ بياضها في نفسه آية، وشعاعها آية، ثم رجوعها إلى حالَتها الأولى آية. والباء للمصاحبة، أي: اذهبا مصحوبَيْنِ بمعجزاتنا، مستمسكَيْنِ بها، { ولا تَنِيَا }: لا تفترا ولا تقصرا { في ذكري } عند تبليغ رسالتي، ولا يشغلكما معاناة التبليغ عن ذكري، بما يليق بحالكما من ذكر لسان أو تفكر أو شهود، فلا تغيبا عن مشاهدتي باشتغالكما بأمري، حتى لا تكونا فاترين في عيني. { اذهبَا إِلى فرعون إِنه طغى }: تجبر وعلا. ولم يكن هارون حاضرًا وقت هذا الوحي، وإنما جمعهما تغليبًا. رُوي أنه أوحى إلى هارون وهو بمصر أن يتلقى موسى - عليهما السلام -، وقيل: سمع بإقباله فتلقاه. { فقولا له قولاً لينًا } لأنَّ تليين القول مما يكسر ثورة عناد العتاة، ويلين عريكة الطغاة. قال ابن عباس: أي: لا تعنفا في قولكما. وقيل: القول اللين: { هل لك إِلى أن تزكى... } الخ، ويعارضه قوله بعد: { فقولا إِنا رسولا ربك } وقيل: كنِّياه، وكان له ثلاثة كنى: أبو العباس، وأبو الوليد، وأبو مرة. وقيل: عِدَاه على قبول الإيمان شبابًا لا يهرم، ومُلكًا لا ينزع منه إلا بالموت، وتبقى عليه لذة المطعمَ والمشرب والمنكح إلى الموت، وقيل: اللطافة في القول فإنه رباك وأحسن تربيتك، وله عليك حق الأبوة، { لعله يتذكَّر } بما بلغتماه من ذكر، ويرغب فيما رغبتماه فيه، { أو يخشى } عقابي. ومحل الجملة: النصب على الحال من ضمير التثنية، أي: فقولا له قولاً لينًا، رَاجِيَيْنِ تذكرته، أي: باشرا وعظه مباشرةَ من يرجو ويطمع أن يُثمر علمُه ولا يخيب سعيُه. وفائدة هذا الإبهام: الحَثُّ على المبالغة في وعظه. هذا جواب سيبويه عن الإشكال، وهو أنه تعالى عَلِمَ أنه لا يؤمن، وقال: { لعله يتذكَّر } ، فصرف الرجاء إلى موسى وهارون، أي: اذهبا على رجائكما. وقال الوراق: قد تذكر حين ألجمه الغرق. وقال الزجاج: خاطبهم بما يعقلون. قلت: كونه تعالى علم أنه لا يؤمن هو من أسرار القدر الذي لا يكشف في هذه الدار، وهو من أسرار الحقيقة، وإنما بُعثت الرسل بإظهار الشرائع، فخاطبهم الحق تعالى بما يناسب التبليغ في عالم الحكمة، والله تعالى أعلم. وجدوى إرسالهما إليه، مع العلم بإحالته، إلزام الحجة وقطع المعذرة. { قالا ربنا إِننا نخاف أن يَفْرُطَ علينا } أي: يعجل علينا بالعقوبة، ولا يصبر إلى تمام الدعوة وإظهار المعجزة. وهو من " فَرطَ " إذا تقدم، ومنه: الفارط، للوليد الذي مات صغيرًا.

السابقالتالي
2 3