الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } * { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ } * { إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ } * { أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ } * { إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ ٱلْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ } * { وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي }

قلت: { مرة }: منصوب على الظرفية الزمانية، وأصله: فعلة، من المرور، اسم للمرور الواحد، ثم شاع في كل فرد واحد من أفراد أمثاله، ويقرب منها الكرة والرجعة. و { إِذْ }: ظرف لمننّا، و { أنِ اقذفيه }: مفسرة، أو مصدرية، و { يأخذه }: جواب " أن اقذفيه ". و { لتُصنع }: متعلق بألقيتُ، عطف على علة مضمرة، أي: ليتعطف عليك ولتربى على حفظي ورعايتي. و { إذ تمشي }: ظرف { لتصنع } على أن المراد وقت مشيها إلى بيت فرعون، وما يترتب عليه من القول والرجع إلى أمه. يقول الحقّ جلّ جلاله: { قال } الله تعالى لموسى عليه السلام: { قد أُوتيتَ سُؤْلك } أي: أعطيت مسؤولك، وبلغنا لك مأمولك في كل ما طبلت منا. والإيتاء، هنا، عبارة عن تعلق الإرادة بوقوع تلك المطالب وحصولها، وإن كان وقوع بعضها مستقبلاً، ولذلك قال:سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ } [القَصَص: 35]، وإعادة النداء في قوله: { يا موسى } تشريفًا له بتوجيه الخطاب بعد تشريفه بإجابة المطلب. ثم ذكَّره بنعمة أخرى قد سلفت، فقال: { ولقد مَنَنَّا عليك مرة أخرى } قبل أن يكون منك لنا طلب، فكيف لا نجيبك بعد الطلب؟ وتلك المنة: { إِذْ أوحينا إِلى أمك } حين تحيرت في أمرك، وخافت عليك من عدوك، فأوحينا إليها وحي منام أو إلهام أو بملك كريم - عليهما السلام - فقلنا لها: { أنِ اقْذِفيه في التابوت } أي: ضعيه فيه، وأغلقي عليه حتى لا يصل الماء عليه، { فاقذفيه في اليمِّ } أي: ألقيه في البحر بتابوته، { فليُلقَه اليمُّ بالساحل } أي: فسيرميه البحرُ بالساحل، ولمّا كان إلقاء البحر له بالساحل أمرًا واجب الوقوع لتعلُق الإرادة الربانية به، جعل البحر كأنه مأمور بإلقائه، ذو تمييز، مطيع، فإنْ يُلْقه { يأْخُذُه عدوٌ لي وعدوٌ له } وهو فرعون. ولا تخافي عليهإِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } [القَصَص: 7]. وتكرير عداوته والتصريح بها للإشعار بأن عداوته له، مع تحققها، لا تضره، بل تؤدي إلى محبته، لأن الأمر بما فيه الهلاك من القذف في البحر، ووقوعه في يد العدو، مشعر بأن هناك ألطافًا خفية، ومننًا كامنة مندرجة تحت قهر صوري. وليس المراد بالساحل نفس الشاطئ، بل ما يقابل الوسط، وهو ما يلي الساحل من البحر، حيث يجري ماؤه إلى نهر فرعون، لِمَا رُوي أنها جعلت في التابوت قطنًا محلوجًا، ووضعته فيه، ثم قيَّرته وألقته في اليم. وقيل: كان التابوت من البردى، صنعته أمه. وقال مقاتل: صنعه لها رجل مؤمن اسمه " حزقيل " ، ثم طلته بالقار - أي: الزفت - وألقته في اليم، وكان يشرع منه إلى بستان فرعون نهر كبير، فدفعه الماء إليه، فأتى به إلى بركة في البستان، وكان فرعون جالسًا ثمَّ مع آسية بنت مزاحم، فأمر به فأُخرج، فإذا فيه صبي أصبح الناس وجهًا، فأحبه فرعون حبًا شديدًا لا يكاد يتمالك الصبر عنه، وذلك قوله تعالى: { وألقيتُ عليك محبةً مني } ، قال ابن عباس: " أحبه وحبَّبَه إلى خلقه ".

السابقالتالي
2 3