الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } * { قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي } * { وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي } * { وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي } * { يَفْقَهُواْ قَوْلِي } * { وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي } * { هَارُونَ أَخِي } * { ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي } * { وَأَشْرِكْهُ فِيۤ أَمْرِي } * { كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً } * { وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً } * { إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً }

قلت: { هارون }: مفعول أول، و { وزيرًا }: مفعول ثان، قُدّم اعتناء بشأن الوزارة، و { لِي }: صلة، لا جعل، أو متعلق بمحذوف حال من { وزيرًا } لأنه صفة له في الأصل. و { من أهلي }: إما صفة وزيرًا، أو صلة لا جعل، وقيل: إن { لي وزيرًا }: مفعولاً اجعل، و { هارون }: عطف بيان لوزير. و { أخي } في الوجهين: بدل من هارون، أو عطف بيان آخر. يقول الحقّ جلّ جلاله: لنبيه موسى عليه السلام: { اذهبْ إِلى فرعونَ } بما رأيته من الآيات الكبرى. وادعه إلى عبادتي وحدي، وحذره من نقمتي، { إِنه طغى } أي: جاوز الحد في التكبر والعتو والتجبر، حتى تجاسر على دعوى الربوبية. { قال } موسى عليه السلام مستعينًا بربه عزّ وجلّ: { ربِّ اشرح لي صدري } أي: وسعه حتى لا يضيق بحمل أعباء الرسالة، { ويسِّرْ لي أمري } أي: سهِّله حتى لا يصعب عليَّ شيء أقصده. والجملة استئنافية بيانية، كأن سائلاً قال: فماذا قال عليه السلام، حين أُمر بهذا الأمر الخطير والخطب العسير؟ فقيل: قال رب اشرح لي صدري... الخ. كأنه، لما أُمر بهذا الخطاب الجليل، تضرع إلى ربه الجليل، وأظهر عجزه وضعفه، وسأل ربه تعالى أن يوسع صدره، ويَفْسَح قلبه، ويجعله عليمًا بشؤون الناس وأحوالهم، حليمًا صفوحًا عنهم، ليلتقي ما عسى أن يرد عليه من الشدائد والمكاره، بجميل الصبر وحسن الثبات، فيلقاها بصدر فسيح، وجأش رابط، وأن يسهل عليه مع ذلك أمره، الذي هو أجلّ الأمور وأعظمها، وأصعب الخطوب وأهولها بتيسير الأسباب ورفع الموانع. وفي زيادة كلمة { لي } ، مع انتظام الكلام بدونها، تأكيد لطلب الشرح والتيسير بإبهام المشروح والميسّر أولاً، ثم تفسيرهما ثانيًا، وفي تقديمهما وتكريرهما: إظهار مزيد اعتناء بشأن كل من المطلوبين، وفضل اهتمام باستدعاء حصولهما. ثم قال: { واحْلُلْ } أي: امشط وافسح { عقدة من لساني } ، رُوي أنه كان في لسانه رتة من أثر جمرة أدخلها فاه في صغره. وذلك أنه كان في حجر فرعون ذات يوم، فلطمه ونتف لحيته، فقال فرعون لآسية امرأته: هذا عدو لي، فقالت آسية: على رسلك، إنه صبي لا يفرق بين الجمر والياقوت، ثم جاءت بطستين في أحدهما الجمر، وفي الآخر الياقوت، فأخذ جبريل بيد موسى فوضعها على النار، حتى رفع جمرة ووضعها على لسانه، فبقيت له رتة في لسانه، واختلف في زوال العقدة بكمالها فمن قال به تمسك بقوله تعالى: { قال قد أوتيت سؤلك يا موسى } ، ومن لم يقل به احتج بقول:هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً } [القَصَص: 34]، وقوله تعالى:وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } [الزّخرُف: 52]. وأجاب عن الأول: بأنه لم يسأل حلّ عقدة لسانه بالكلية، بل حلّ عقدة تمنع الإفهام، فخفف بعضها لدعائه، لا جميعها، ولذلك نكّرها ووصفها بقوله: { من لساني } أي: عقدة كائنة من عُقد لساني، { يفقهوا قولي } أي: إن تحلل عقدة لساني يفقهوا قولي.

السابقالتالي
2 3