الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } * { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى } * { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَآءِ ٱلْلَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ }

قلت: { أفلم } الهمزة للإنكار التوبيخي، والفاء للعطف على محذوف، أي: أغْفَلوا فلم يهد لهم. وعدى الهداية باللام لتضمنها معنى التبيين، والفاعل مضمونُ { كم أهلكنا } ، أي: أفلم يُبين لهم مآل أمرهم كثرة إهلاكنا للقرون الأولى؟ وقيل: الفاعل ضمير عائد إلى الله. و { كم… } الخ: مُعلق للفعل سد مسد مفعوله. أي: أفلم يُبين الله لهم كثرة إهلاك القرون من قبلهم؟ والأوجه: أنْ لا يُلاحظ له مفعول، كأنه قيل: أفلم يفعل الله لهم الهداية، ثم قيل بطريق الالتفات: كم أهلكنا… الخ بيانًا لتلك الهداية. و { مِنَ القُرون }: في محل نصب، نعت لمفعول محذوف، أي: قرنًا كائنًا من القرون. وجملة { يمشون }: حال من القرون، أي: أهلكناهم وهم في حال أمن وتقلب في ديارهم، أو من الضمير في " لهم " ، مؤكد للإنكار، والعامل: " يهد " ، والمعنى: أفلم يهد لهم إهلاكنا للقرون السالفة، كقوم نوح ولوط وأصحاب الأيكة، حال كونهم، أي: قريش - ماشين في مساكنهم إذا سافروا إلى الشام -، و { أجل مسمى }: عطف على { كلمة } ، أو استئناف، أي: وأجل مسمى حاصل لهم. يقول الحقّ جلّ جلاله: { أفَلَمْ يَهْدِ لهم } أي: أو لم يُبين لهم عاقبة أمرهم { كم أهلكنا قبلَهم من القرون } أي: كثرة إهلاكنا للقرون السالفة قبلهم، وهم { يمشون في مساكنهم } إذا سافروا إلى الشام، كأصحاب الحجر، وثمود، وفرعون، وقوم لوط، مشاهدين لآثار ديارهم خاربة، مع علمهم بما جرى عليهم، بسبب تكذيبهم، فإنَّ ذلك مما يُوجب أن يهتدوا إلى الحق، فيعتبروا، لئلا يحل بهم مثل ما حلّ بأولئك، أو: { أفلم يهد لهم } كثرة إهلاكنا للقرون السالفة قبلهم، حال كونهم آمنين، { يمشون } في ديارهم ويتقلبون في رباعهمفَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } [الأعراف: 78]. { إِنّ في ذلك } الإهلاك الفظيع { لآياتٍ } كثيرة عظيمة واضحة الهداية، دالة على الحق { لأُولي النُّهى } لذوي العقول الناهية عن القبائح، التي من أقبحها ما يتعاطاه كفار مكة من الكفر بآيات الله، والتعامي عنها، وغير ذلك من فنون المعاصي. { ولولا كلمةٌ سبقتْ من ربك } ، وهو تأخير العذاب عن هذه الأمة إلى الآخرة لحكمة، لعجلنا لهم الهلاك كما عجلنا لتلك القرون المهلكة، التي يمرون عليها ولا يعتبرون، فأصروا على الكفر والعصيان، فلولا تلك العِدّة بتأخير العذاب { لكان لزامًا } أي: لكان عقاب جناياتهم لازمًا لهؤلاء الكفرة، بحيث لا يتأخرون عن جناياتهم ساعة، لزوم ما أنزل بأولئك الغابرين، وفي التعرض لعنوان الربوبية، مع الإضافة إلى ضميره - عليه الصلاة والسلام - تلويح بأن ذلك التأخير تشريف له صلى الله عليه وسلم، كما ينبئ عنه قوله تعالى:وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } [الأنفال: 33]. واللزام: مصدر لازم، وصف به للمبالغة، { وأجَلٌ مسمىً } أي: لولا كلمة سبقت بتأخيرهم، وأجل مسمى لأعمارهم أو عذابهم، وهو يوم القيامة، أو يوم بَدْرٍ، لَمَا تأخر عذابهم أصلاً.

السابقالتالي
2 3