الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ بِئْسَمَا ٱشْتَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنَزَلَ ٱللَّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَآءَهُ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ }

قلت: بئس ونعم: فعلان جامدان مختصان بالدخول على ما يدل على العموم، إما نكرة، فتنصب على التمييز المفسر للضمير الفاعل، أو معروف بأل الجنسية، فيرتفع على الفاعلية، تقول: بئس رجلاً زيدٌ، وبئس الرجل زيد، ويذكر بعد ذلك المخصوص: إما خبر عن مبتدأ مضمر، أو مبتدأ والخبر مقدم. وإنما اخْتُصَّتَا بالدخول على ما يدل على العموم لأن { نعم } مستوفية لجميع المدح، و { بئس } مستوفية لجميع الذم. فإذا قلت: نعم الرجل زيد، فكأنك قلت: استحق زيدٌ المدحَ الذي يكون في سائر جنسه، وكذلك تقول في بئس. و { ما } المتصلة ببئس ونعم: نكرة منصوبة على التمييز، أي: بئس شيئاً اشتروا به أنفسهم، وهو كفرهم، أو معرفة تامة مرفوعة على الفاعل، أي: بئس الشيء شيء اشتروا به أنفسهم. و { اشتروا } هنا بمعنى باعوا، كشَروا على خلاف الأصل، وقد يمكن ان يبقى على أصله، على ما يأتي في بيان المعنى. و { بغيا } مفعول من اجله ليكفروا، و { يكفرون } حال من الفاعل في { قالوا } ، و { وراء } في الأصل: مصدر جُعل ظرفاً، ويضاف إلى الفاعل ويراد به ما يتوارى به وهو خلفه، وإلى المفعول فيراد به ما يواريه وهو قدامه، ولذلك عد من الأضداد، قاله البيضاوي. يقول الحقّ جلّ جلاله: في شأن اليهود: بئس شيئاً باعوا به حظ أنفسهم، وهو كفرهم بما أنزر الله، أو { بئسما اشتروا به أنفسهم } بحسب ظنهم، فإنهم ظنوا أنهم خلّصوا أنفسهم من العذاب بما فعلوا، وهو كفرهم بما أنزل الله على محمد نبيه صلى الله عليه وسلم بغياً وحسداً أن يكون النبيّ من غيرهم، فانقلبوا { بِغَضَبِ عَلَى غَضَبٍ } للكفر والحسد لمن هو أفضل الخلق، أو لكفرهم بمحمد - عليه الصلاة والسلام - بعد عيسى عليه السلام، أو لتضييعهم التوراة، وكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، { وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ } أي: يذلهم ويخزيهم في الدنيا والآخرة، بخلاف عذاب العاصي فإنه كفارة لذنوبه. { وَإِذَا قِيلَ } لهؤلاء اليهود: { آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللّهُ } على محمد صلى الله عليه وسلم { قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا } من التوراة، وهم { يَكْفُرُونَ بِمَا ورَاءَهُ } أي: بما سواه، وهو القرآن، حال كونه { مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ } من التوراة ومهيمناً عليه. { قُلْ } لهم يا محمد: { فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللّهِ مِن قَبْل } هذا الزمان، وهو محرم عليكم في التوراة، { إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ } به؟ فهذا يبطل دعواكم الإيمان بالتوراة إذ الإيمان بالكتاب يقتضي العمل به، وإلاَّ كان دعوى، وإن فعله أسلافكم فأنتم راضون به وعازمون عليه. الإشارة: اعلم أن قاعدة تفسير أهل الإشارة هي أن كل عتاب توجه لمن ترك طريق الإيمان، وأنكر على أهله يتوجه مثله لمن ترك طريق مقام الإحسان، وأنكر على أهله.

السابقالتالي
2