الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ }

قلت: { ويل }: كلمة يستعملها كل واقع في هلكة، وأصلها العذاب والهلكة، وهو في الأصل مصدر لا فعل له، وسوغ الابتداء به الدعاء، وقال أبو سعيد الخدري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: " الويلُ وادٍ في جَهنَّم " [لو سيرت فيه جبال الدنيا لانماعت]. يقول الحقّ جلّ جلاله: { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ } تحريفاً لكتاب الله، { وَيقُولُونَ هَذَا مِنْ عند الله } خوفاً من أن تزول رئاستهم، وينقطع عنهم ما كانوا يأخذونه من سفلتهم، نزلت في أحبار اليهود لما قدم النبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة، خافوا أن تزول رئاستهم، فاحتالوا في تعويق اليهود عن الإسلام، وكانت صفة النبي صلى الله عليه وسلم " حسن الوجه، حسن الشعر، أكحل العينين، ربعة " ، فغيروها، وكتبوا: طوالاً، أزرق، سبط الشعر، { فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ } ، ويأخذون من سفلتهم، فهو وإن كان كثيراً في الحسن فهو، بالنسبة إلى ما استوجبوه من العذاب الأليم، قليل. الإشارة: ينزجر بهذه الآية صنفان: أحدهما: علماء الأحكام، إذا أفتوا بغير المشهور، رغبة فيما يقبضون على الفتوى من الحطام الفاني، وكذلك القضاة إذا حكموا بالهوى، رغبة فيما يقبضون من الرشا، أو يحصلونه من الجاه، { فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ } الثاني: أهل الرئاسة والجاه من أولاد الصالحين وغيرهم، فإنهم إذا رأوا أحداً قام بولاية أو نسة خافوا على زوال رئاستهم، فيحتالون على الناس بالتعويق عن الدخول في طريقته، فيكتبون في ذلك سفسطات وترهات، يُنفِّرون الناس عن اتباع الحق،وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } [التّوبَة: 32].