الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ }

قلت: أماني: جمع أمنية، وهي في الأصل: ما يُقَدِّرُهُ الإنسان في نفسه من مُنى إذا قدَّر، ولذلك تطلق على الكذب، وعلى ما يتمنى وما يقرأ، قاله اليضاوي. والاستثناء منقطع، أي: لكن أكاذيب، ويقال: تمنى الرجل، إذا كذب واختلق الحديث، ومنه قول عثمان رضي الله عنه: والله ما تَمنَّيْتُ ولا تَغَنَّيْتُ منذُ أَسْلَمْتُ. يقول الحقّ جلّ جلاله: { وَمِنْهُمْ } أي: من اليهود عوام { أُمِّيُّونَ } لا يقرؤون الكتاب ولا يفهمونه، لكن يسمعون من أحبارهم { أَمَانِيَّ } كاذبة، وأشياء يظنونها من الكتاب، ولا علم لهم بصحتها، كتغيير صفته صلى الله عليه وسلم وغير ذلك، أو مواعيد فارغة، ومطامع خاوية، سمعوها منهم، من أن الجنة لا يدخلها إلا هم، وأن النار لا تمسهم إلا أياماً معدودة، وغير ذلك من أمنيتهم الفارغة وأمانيهم الباطلة. والله تعالى أعلم. الإشارة: اعلم أن المنكرين على أهل الخصوصية ثلاث فرق: أهل الرئاسة المتكبرون، والفقهاء، المتجمدون، والعوام المقلدون، يصدق عليهم قوله تعالى: { ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني } إذ لا علم عندهم يُميزون به المحق من المبطل، وإنما هم مقلدون، فوزرهم على مَن حرمهم بركة الاعتقاد، وأدخلهم في شؤم الانتقاد، ولقد أحسن " ابن البنا " حيث قال في شأن أهل الإنكار.
واعلمْ رعاكَ اللّهُ مِنْ صَديقِ أنَّ الورَى حَادُوا عن التحقيق إذْ جَهِلُوا النفوسَ والقلوبَ وطلبُوا مَا لم يكُنْ مَطلُوبَا واشْتَغَلُوا بعَالَمْ الأبدانِ فالكلُّ نساءٍ منْهمُ ودَانِ وأنكَرُوا مَا جَهِلوا وزَعموا أنْ لَيسَ بعدَ الجسمِ شَيْءٌ يُعلمُ وكفَّرُوا وزندقُوا وبدَّعُوا إذَا دَعَاهُم اللَّبِيبُ الأوْرَعُ كلٍّ يرى أنْ لَيسَ فوقَ فَهْمِهِ فَهْمٌ ولاَ عِلْمٌ وراءَ عِلْمِهِ مُحْتَجِباً عَنْ رؤيةِ المَراتبْ عَلّ يُسْمَى عَالماً وَطالبِ هَيْهَاتَ هذا كُلَّه تقْصِيرُ يأنَفُهُ الحَاذقُ والنَّحْرِيرُ