الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

قلت: الموصول مبتدأ، و { أولئك } خبره، أو عطف على { المتقين } ، وحذف المنزل عليه في جانب الكتب المتقدمة، فلم يقُلْ: وما أنزل على مَن قبلك إشارة إلى أن الإيمان بالكتب المتقدمة دون معرفة أعيان المنزل عليهم كاف، إلا من ورد تعيينُه في الكتاب والسنّة فلا بد من الإيمان به، أما القرآن العظيم فلا بد من الإيمان أنه منزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فمن اعتقد أنه منزل على غيره كالروافض فإنه كافر بإجماع، ولذلك ذكر المتعلق بقوله: { بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ }. يقول الحقّ جل جلاله: { وَالَّذينَ } يصدقون { بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ } يا محمد من الأخبار الغيبية والأحكام الشرعية، والأسرار الربانية والعلوم اللدنية { ومَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ } من الكتب السماوية، والأخبار القدسية، وهم { يُوقِنُونَ } بالبعث والحساب والرجوع إلينا والمآب، على نعتٍ ما أخبرتُ به في كتابي وأخبار أنبيائي، { أُولَئِكَ } راكبون على مَتْنِ الهداية، مُسْتَعْلون على محمل العناية، محفوفون بجيش النصر والرعاية، { وَأُولَئِكَ هُم } الظافرون بكل مطلوب، الناجون من كل مخوف ومرهوب، دون من عداهم ممن سبق له الخذلان، فلم يكن له إيمان ولا إيقان، فلا هداية له ولا نجاح، ولا نجاة له ولا فلاح، نسأل الله العصمة بمنّه وكرمه. الإشارة: قلت: كأن الآية الأولى في الواصلين، والثانية في السائرين، لأن الأولين وصفهم بالإنفاق من سعة علومهم، وهؤلاء وصفهم بالتصديق في قلوبهم، فإن داموا على السير كانوا مفلحين فائزين بما فاز به الأولون. فأهل الآية الأولى من أهل الشهود والعيان، وأهل الثانية من أهل التصديق والإيمان. أهل الأولى ذاقوا طعم الخصوصية، فقاموا بشهود الربوبية وآداب العبودية، وأهل الثانية صدقوا بنزول الخصوصية ودوامها، واستنشقوا شيئاً من روائح أسرارها وعلومها، فهم يوقنون بوجود الحقيقة، عالمون برسوم الطريقة، فلا جرم أنهم على الجادة وطريق الهداية، وهم مفلحون بالوصول إلى عين العناية.دون الفرقة الثالثة التي هي الإنكار موسومة، ومن نيل العناية محرومة، التي أشار إليها الحق تعالى.