الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

قلت: { كان }: تامة بمعنى حضر، وقرأ أُبَيّ وابنُ مسعود: { ذا عسرة } فتكون ناقصة، و { نظرة }: مبتدأ، والخبر محذوف، أي: فعليكم نظرة، أو فالواجب نظرة. وهو مصدر بمعنى الإنظار، وهو الإمهال، و { ميسرة }: فيه لغتان: الفتح والضم، وهي مَفْعَلة من اليسر، فالضم لغة أهل الحجاز، والفتح لغة تميم وقَيْس ونَجْد. يقول الحقّ جلّ جلاله: وإن حضر الغريم وهو معسر، فعليكم إنظاره، أي: إمهاله إلى زمان يسره ولا يحل لكم أن تُضَيِّقُوا عليه، وتطالبوه بما ليس عنده إن أقام البيِّنَةَ على عسره { وأن تصدقوا } عليه برؤوس أموالكم ولا تطالبوه بها { خير لكم إن كنتم تعلمون } ما في ذلك من الخير الجزيل والذكر الجميل. روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ أَنْظَر مُعْسِراً، أو وَضَعَ عنه، أَظلَّه اللّهُ في ظِلِّ عَرْشِه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه " وقال - عليه الصلاة والسلام -: " من أَحَبَّ أن تُستجاب دعوته، وتُكشف كُربتُه، فليُيسِّرْ على المُعسر " وقال صلى الله عليه وسلم: " من أنْظَر معسراً كان له بكل يوم صدقةٌ بمثل ما أنظره به " وقد ورد في فضل الدَّيْن قوله - عليه الصلاة والسلام: " إن الله مع المدين حتى يقضي دَيْنه، ما لم يكن فيما يكره الله " فكان عبد الله يقول: " إني أكره أن أبيت ليلة إلا والله تعالى معي، فيأمر غلامه أن يأخذ بدين ". وقد ورد الترغيب أيضاً في الإسراع بقضاء الدين دون مطل، قال صلى الله عليه وسلم: " مَنْ مشَى إلى غَريمه بحقه، صَلَّتْ عليه دوابُّ الأرض ونُونُ الماء، وكتبت له بكل خُطوة شجرة في الجنة، وذنب يغفر له فإن لم يفعل ومطل فهو مُعْتَدِ " وقال أيضاً: " مَطْلُ الغَنِيِّ ظلم، وإذا أُتْبعَ أحَدكُمْ على مَليء فَلْيتْبَعْ ". ثم قال تعالى: { واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله } ، وهو يوم القيامة، فتأهبوا للمصير إله بالصدقة وسائر الأعمال الصالحة، { ثم توفّى كل نفس } جزاء ما أسلفت، { وهم لا يظلمون } بنقص ثواب أو تضعيف عقاب. قال ابن عباس: هذه آخر آية نزل بها جبريل، فقال: ضعها في رأس المائتين والثمانين من البقرة، وعاش بعدها رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً وعشرين يوماً. وقيل: أحداً وثمانين، وقيل غير ذلك. والله تعالى أعلم. الإشارة: وإن كان ذو عسرة من نور اليقين والمعرفة، فلينظر إلى أهل الغنى بالله، وليصحبهم ويتعلَّق بهم، وهم العارفون، فإنهم يغنونه بالنظر. وفي بعض الأخبار: إن لله رجالاً من نظر إليهم سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً. هـ. ولله رجال إذا نظروا أغنَوْا، وفي هذا المعنى يقول صاحب العينية:

السابقالتالي
2