{ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ... } يقول الحقّ جلّ جلاله: لنبيه عليه الصلاة والسلام: { ليس عليك } يا محمد { هداهم } أي: لا يجب عليك أن تخلق الهداية في قلوبهم، وليس من شأنك ذلك، إنما أنت نذير تدلُّ على الخير، كالنفقة وغيرها، وتنهى عن الشر كالمِّن والأذى، وإنفاق الخبيث، وغير ذلك من المساوئ { ولكن الله يهدي من يشاء } بفضله وإحسانه، فالأمور كلها بيد الله خيرها وشرها، لكن من جهة الأدب{ مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } [النِّساء: 79]. وبالله التوفيق. الإشارة: ما قيل في الرسول - عليه الصلاة والسلام - يقال في ورثته من أهل التذكير، فليس بيدهم الهداية والتوفيق، وإنما شأنهم الإرشاد وبيان الطريق، فليس من شأن الدعاة إلى الله الحرص على هداية الخلق. وإنما من شأنهم بيان الحقّ.{ إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ } [النّحل: 37]. والله تعالى أعلم. ثم رجع الحقّ تعالى إلى الترغيب في الصدقة والإخلاص فيها، فقال: {... وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } قلت: هذه ثلاث جمل كلها تدل على الترغيب في إنفاق الطيب وإخلاص النية. يقول الحقّ جلّ جلاله: { وما تنفقوا من خير } قليل أو كثير، فهو { لأنفسكم } لا ينتفع به غيركم، فإن كان طيباً فلأنفسكم، وإن كان خبيثاً فأجره لكم، وإن مننتم به أو آذيتم فقد ظلمتم أنفسكم، وإن أخلصتم فيه فلأنفسكم، وأيضاً إنكم تَدَّعُونَ أنكم { ما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله } ، فكيف تقصدون الخبيث، وتجعلونه لوجه الله؟ وكيف تَمُنُّونَ أو تؤذون بها وهي وجه الله؟ هذا تكذيب للدعوى، وكل ما تنفقون من خير قليل أو كثير { يُوف إليكم } جزاؤه يوم القيامة بسبعمائة إلى أضعاف كثيرة، ويخلفه لكم في الدنيا، { وأنتم لا تظلمون } شيئاً من أعمالكم إن أخلصتم أو أحسنتم. وستأتي إشارتها مع ما بعدها.