الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَآ أَنْفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

قلت: { مثل الذين }: مبتدأ، و { كمثل }: خبر، ولا بد من حذف مضاف، إما من المبتدأ أو الخبر، أي: مثل نفقة الذين ينفقون كمثل حبة، أو مثل الذين ينفقون كمثل باذر حبة... الخ. يقول الحقّ جلّ جلاله: في التحريض على النفقة في سبيل الله: { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله } أي: يتصدقون بها في سبيل الله، كالجهاد ونحوه، { كمثل } زارع { حبة أنبتت } له { سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة } ، فالمجموع سبعمائة. وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: " الحَسَنَة بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، إلى سَبعمائَة إلى أضْعَافٍ كَثيرَةٍ " وإسناد الإنبات إلى الحبة مجاز، والمنبت هو الله، وهذا مثال لا يقتضي الوقوع، وقد يقع في الذرة والدخن في الأرض الطيبة، بحيث تخرج الحبة ساقاً يتشعب إلى سبع شعب، في كل شعبة سنبلة، { والله يضاعف } تلك المضاعفة { لمن يشاء } بفضله، على حسب حال المنفق من إخلاصه وتعبه، وبحسبه تتفاوت الأعمال في مقادير الثواب، { والله واسع } لا يضيق عليه ما يتفضل به من الثواب، { عليم } بنية المنفق وقدر إنفاقه. ثم ذكر شرطَيْن آخرَيْن في قبول النفقة، فقال: { الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى }. المن: أن يعتد بإحسانه على من أحسن إليه بحيث يقول: أنا فعلت معه كذا، وكذا إظهاراً لميزته عليه. والأذى: أن يتطاول عليه بذلك. ويقول: لولا أنا لم يكن منك شيء، مثلاً. فمن فعل هذا فقد ذهبت صدقته هباءاً منثوراً، ومن سلم من ذلك، وأنفق ماله ابتغاء وجه الله فـ { لا خوف عليهم ولا هم يحزنون }. وقال زيد بن أسلم رضي الله عنه: إذا أعطيت أحداً شيئاً وظننت أن سلامَكَ يَثْقُلُ عليه فَكُفَ سلامَكَ عنه. هـ. قيل: إن الآية نزلت في عثمان وعبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنهما أما عثمان فإنه جهز جيش العسرة بألف بعير بأقتابها وأحلاسها. وقال عبد الرحمن بن سمرة: جاء عُثْمَانُ بألْفِ دِينَارِ في جيش العُسْرَةِ، فصَبَها في حُجْرِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فَرَأيْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يُدخل يَده فيها، ويُقلِّبهَا ويقول: " ما ضَرَّ ابن عفَّان ما عَمِلَ بَعْدَ اليوم " زاد في رواية سعيد: فرأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم رافعاً يدعو لعثمان، ويقول: " يا رب عثمان بن عفان، رضيتُ عنه فارض عنه " وأما عبد الرحمن: فإنه أتى النَّبِيَ صلى الله عليه وسلم بأربعة آلاف درهم، صدقة، وأمسك أربعة آلاف لعياله، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: " بارك الله لك فيما أعطيتَ وفيما أمسكتَ ". وإنما لم يدخل الفاء في قوله: { لا خوف عليهم } ، مع أن الموصول قد تضمن معنى الشرط، إيهاماً بأنهم أهلٌ لذلك، وإن لم يفعلوا، فكيف بهم إذا فعلوا.

السابقالتالي
2