الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ }

قلت: { الله }: مبتدأ، وجملة { لا إله إلا هو }: خبره، والضمير المنفصل بدل من المستتر في الخبر، و { الحي }: إما خبر ثانيٍ، أو لمبتدأ مضمر، أو بدل من { الله } ، و { قيوم } فَيْعُول، مبالغة من القيام، ومعناه: القائم بنفسه المستغني عن غيره. يقول الحقّ جلّ جلاله: { الله } الواجب الوجود لا يستحق العبادة غيره، فمن عبد غيره فقد أتى بظلم عظيم { الحي } أي: الدائم بلا أول، الباقي بلا زوال الذي لا سبيل عليه للموت والفناء، { القيوم } أي: دائم القيام بتدبير خلقه في إيصال المنافع ودفع المضار، وجلب الأرزاق وأنواع الارتقاء، { لا تأخذه سنة ولا نوم } السنة: ما يتقدم النوم من الفتور، والنوم: حالة تعرض للإنسان من استرخاء أعصاب الدماغ من رطوبات الأبخرة المتصاعدة، فتقف الحواس الظاهرة عن الإحساس رأساً. وتقديم السنَة عليه، على ترتيب الوجود، كقوله تعالى:وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً } [التّوبَة: 121]، وجمع بينهما لأنه لو اقتصر على نفس السَّنَة عند لتوهم أن النوم يغلبه لأنه أشد، ولو اقتصر على نفي النوم لتوهم أن السنة تلحقه لخفتها. والمراد تنزيهه تعالى عن آفات البشرية، وتأكيد كونه حيّاً قيوماً، فإن من أخذه نعاس أو نوم يكون مؤوف الحياة، قاصراً في الحفظ والتدبير. ولذلك ترك العطف فيه وفي الجمل التي بعدَه لأنها كلها مقررة له، أي: للحيّ للقيّوم. وقد ورد أنه اسم الله الأعظم، وقال عليه الصلاة والسلام لفاظمة - رضي الله عنها: " ما مَنَعك أن تَسْمَعي ما أُوصِيك به تَقُولين إذا أصْبَحْتِ وإذا أمْسَيتِ يا حيّ يا قيُّوم، برحمتِكَ أستغيث أصْلحْ لي شأني كُلَّه، ولا تَكلْني إلى نفْسِي طَرْفَةَ عَيْنِ " رواه النسائي وأخرج مسلم عن أبي موسى رضي الله عنه قال: " قَامَ فِينَا رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بخَمْسِ كلماتٍ قال: " إنَّ الله عزَّ وجلَّ لا ينامُ، ولا يَنْبَغِي لَهُ أنْ يَنَام، يَخْفِضُ القِسطُ ويَرْفَعُهُ. يُرْفَعُ إلَيْهِ عَمَلُ اللَّيل قَبْلَ عَمَلَ النَّهَارِ وعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَملِ اللَّيلِ، حِجَابُهُ النُّورُ " - وفي رواية. النَّارُ - " لَوْ كَشَفَهُ لأحْرَقَتْ سُبَحَاتُ وَجْهِهِ ما أدركه بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ ". له ما في السماوات وما في الأرض } هذا تقرير لقيوميته تعالى، واحتاج على تفرده في الألوهية. والمراد بما بما فيهما: ما هو أعمُّ من أجزائهما الداخلة فيهما ومن الأمور الخارجة عنهما، المتمكنة فيهما، من العقلاء وغيرهم، فهو أبلغ من له السماوات والأرض وما فيهن، يعني: أن الله يملك جميع ذلك من غير شريك ولا منازع، وعبر بـ { ما } تغليباً للغالب. { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } هذا بيان لكبرياء شأنه، وأنه لا يدانيه أحد ليقدر على تغيير ما يريده بشفاعة واستكانة، فضلاً عن أن يعاوقه عناداً أو مناصبة.

السابقالتالي
2 3