الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } * { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَٰفِرِينَ } * { وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَٰبِهاً وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ }

فإن قلت: الريب في القرآن قد وقع من الكفار قطعاً، فكيف عبّر بإِنْ الدالة على الشك والتردد؟ قلت: { إن } جازمة للفظ الشرط أو محله، موضوعة للشك في الشرط. و " إذا " لا تجزم في اللفظ، وتدل على الجزم في المعنى، وفي ذلك يقول القائل:
إنا إنْ شَككتُ وجدْتُموني جَازِماً وإذا جَزمتُ فإنني لَمْ أجزمِ   
فإن قلت: الريب في القرآن قد وقع من الكفار قطعاً، فكيف عبّر بإنْ الدالة على الشك والتردد؟ قلت: لما كان ريبهم واقعاً في غير محله - إذ لو تأملوا أدنى تأمل لزال ريبهم لوضوح الأمر وسطوع البرهان - كان ريبهم كأنه مشكوك فيه ومتردد في وقوعه، والشهداء جمع شهيد بمعنى الحاضر، أو القائم بالشهادة، أو الناصر، أُطْلِقَ على الأصنام لأنهم يزعمون أنها تشهد لهم، ومعنى دون: أدنى مكان من الشيء، ثم استعير للرُّتَب فقيل: زيد دون عمرو أي: في الشرف، ثم اتسع فيه فاستعير لكل تجاوزِ حدّ إلى حد، وتخطّي أمرٍ إلى آخر. يقول الحقّ جلّ جلاله: { وَإِن كُنتُمْ } يا معشر الكفار { فِي } شك { مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى } محمد { عَبْدِنَا } ورسولنا المختار لِسِرّ وحينا، { فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِن } جنسه في البلاغة والفصاحة، مشتملة على علوم وأسرار ومغيبات كما اشتمل عليه كتابي، { وَادْعُوا } من استطعتم ممن تنتصرون به على ذلك الإتيان، مِن آلهتكم التي تزعمون أنها تشهد لكم يوم القيامة، أو من حضركم من البلغاء والفصحاء ممن تنتصرون به { مِن دُونِ اللَّهِ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ } في أنها تنفعكم. { فَإن لَّمْ } تقدروا أن { تَفْعَلُوا } ذلك { ولَن } تقدروا ابداً فأسلموا وأقرُّوا بالحق، و { اتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } أي: حجارة الكبريت، فَهُمَا حطبُها ووقودها { أُعِدَّتْ لِلْكَافِرينَ }. { وَبَشِّرِ } يا محمد ويا مَن يصلح منه التبشير { الَّذِينَ آمَنُوا } بالله ورسوله، { وَعَمِلُوا } ما كلفوا به من الأعمال { الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارِ } أي: من تحت قصورها، وهي أنهار من ماء، وأنهار من عسل، وأنهار من لبن، وأنهار من خمر لذة للشاربين. { كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً } أي: صنفاً، { قَالُوا هَذَا الَّذِين رُزقْنَا مِن قَبْلُ } في دار الدنيا، فإن الطباع تميل إلى المألوف، فالصفة متفقة والطعم مختلف. أو في الجنة، قيل: هذا لما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " والذي نفسُ محمدٍ بيدِه إنَّ الرجلَ مِنْ أهلِ الجنةِ لَيتَناولُ الثمرة لِيأكلهَا فما هي واصِلةٌ إلى جَوفِه حتى يبدل الله تعالى مكانها مِثلَها " ، فلعلهم إذا رأوها على الهيئة الأولى قالوا ذلك، لفرط استغرابهم، وتبجحهم بما وجدوا من التفاوت العظيم في اللذة والتشابه البليغ في الصورة، { وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ } أي: حور { مُّطَهَّرَةٌ } من الحيض، وسائر الأدناس، ومن الأخلاق المذمومة، والشيم الذميمة، { وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } فإن النعيم إذا كان يعقُبه الفناء تنغّص على صاحبه، كما قال الشاعر:

السابقالتالي
2