الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلْمَلإِ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىۤ إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ }

يقول الحقّ جلّ جلاله: { ألم تر } يا محمد - فتعتبر - { إلى } قصة جماعة { من بني إسرائيل من بعد } موت { موسى } حين طلبوا الجهاد، وقالوا { لنبيّ لهم } يقال له: شمويل، وقيل: شمعون { ابعث لنا ملكاً } يَسوس أمرنا ونرجع إليه في رأينا إذ الحرب لا تستقيم بغير إمام { نقاتل } معه { في سبيل الله قال } لهم ذلك النبيّ: { هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا } أي: هل أنتم قريب من التولي والفرار إن كُتب عليكم القتال؟ والمعنى: أتوقع جُبْنكم عن القتال إنْ فُرض عليكم. والأصل: عساكم أن تجبنوا إن فرض عليكم، فأدخل { هل } على فعل التوقع، مستفهماً عما هو المتوقع عنده، تقريراً وتثبيتاً. { قالوا } في جوابه: { وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله } أيْ: أيُّ مانع يمنعنا من القتال وقد وُجد داعيه؟ وهو تسلط العدو علينا فأخْرَجَنَا من ديارنا وأسَرَ أبناءَنا، وكان الله تعالى سلط عليهم جالوت ومن معه من العمالقة، كانوا يسكنون ساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين، وذلك لمَّا عصوا وسفكوا الدماء، فخرَّبَ بيت المقدس، وحرق التوراة، وأخذ التابوت الذي كانوا ينتصرون به، وسبي نساءهم وذراريهم. رُوِيَ أنه سبي من أبناء ملوكهم أربعمائة وأربعين، فسألوا نبيهم أن يبعث لهم ملكاً يجاهدون معه، { فلما كُتب عليهم القتال } ويَسر لهم ملكاً يسوسهم وهو طالوت. جبنُوا وتولوا { إلا قليلاً منهم } ، وهم من عَبَرَ النهر مع طالوت، { والله عليم بالظالمين } فيخزيهم ويُفسد رأيهم... نعوذ بالله من ذلك. الإشارة: ترى كثيراً من الناس يتمنون أو لو ظفروا بشيخ التربية، ويقولون: لو وجدناه لجاهدنا أنفسنا أكثر من غيرنا، فلما ظهر، وعُرف بالتربية، تولى ونكص على عقبيه، وتعلل بالإنكار وعدم الأهلية، إلا قليلاً ممن خصه الله بعنايتهوَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشآء } [البَقَرَة: 105]وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } [البَقَرَة: 105] سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه، ولم يوصل إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه.