الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

يقول الحقّ جلّ جلاله: ويجب على الوالدات أن { يُرضعن أولادهن حولين كاملين } إذا كُنَّ في العصمة، ولا شرف لهن لجرى العُرف بذلك، أو مطلقاتٍ، ولم يقبل الولد غيرهنَّ هذا { لمن أراد أن يتم الرضاعة } ، فإن اتفقا على فطامه قبلهما، جاز، كما يأتي. ويجب { على المولود له } وهو الأب، رزق أمهات أولادة، { وكسوتهن } إذ هو الذي يُنسب المولود له، وذلك { بالمعروف } ، لا يُكلف الله نفساً إلا ما في وُسْعها وتُطيقه، فلا { تضارَّ والدةٌ بولدها } ، بحيث ترضعه وهي مريضة، أو انقطع لبنها. بل يجب على الأب أن يستأجر من يرضعه، ولا يضار { مولولد له بولده } ، بحيث يكلف من الإنفاق والكسوة فوق جهده. فإن مات الأب وترك مالاً - فعلى { الوارث } الكبير { مثل ذلك } من الكسوة والإنفاق، يُجريها من مال الأب، ويحسبها من حق الصبي، فإن لم يكن للأب مال - فعلى جماعة المسلمين. { فإن أراد } أي: الأب والمرضعة، { فصالاً } أي: فطاماً للصبي قبل تمام الحولين، { عن تراضٍ منهما وتشاور } بينهما، { فلا جناح عليهما } ، إن لم يخف على الولد ضعف. { وإن أردتم } ، أيها الأزواج، { أن تسترضعوا أولادكم } عند غير الأم، برضاها، { فلا جناح عليكم } في ذلك { إذا سلمتم } أي: أعطيتم للمراضع، { ما آتيتم } أي: ما أردتم إيتاءه من الأجرة { بالمعروف } من غير مَطْلٍ ولا تقتير. والشرط إنما هو على وجه الكمال والإحسان، { واتقوا الله } فيما كُلفتم به من الحقوق، { واعلموا أن الله } لا يخفى عليه شيء من أموركم فإنه { بما تعملون بصير }. الإشارة: اعلم أن تربية الولاية في قلب المريد، على نمط تربية الطفل الصغير، تنبت في قلب المريد وقت عقد الصحبة بينهما، ثم لا تزال تنمو، أو الشيخ يرضعه بلبن الإمداد حتى يتم أوان رضاعه، ولذلك قالوا: الثدي الميتة لا ترضع. هـ. يشيرون إلى أن الشيخ الميت لا يُربى، فلا يزال الشيخ يُربى الروح، ويمدها حتى تدخل بلد الإحسان، وتشتعل فكرتها. وهذا تمام الحولين في حقها، وهو أوان كمال الحقيقة والشريعة لمن أراد إتمامها، فتأكل الروح حينئذٍ من كل شيء، وتشرب من كل شيء، وتستمد من الأشياء كلها، ثم لا يزال يحاذيها بهمته حتى تَرشُد، فيطلق لها التصرف، فتصلح لتربية غيرها. وعلى الشيخ رزقُ المريدين من قوت القلوب وكسوتهم، تقيهم من إصابة الذنوب والعيوب، إلا ما سبق به القضاء في علم الغيوب، فليس في طَوْق أحدٍ دفعُه، لا تُكلف نفسٌ إلا وسعها، فإذا مات الشيخ، ووصَّى بمن يرث مقامه، فعلى الوارث مثلُ ذلك، فإن أراد المريد انفصالاً عن الشيخ، وتعمير بلد، أو تذكير عباد الله، عن تراض منهما وتشاور من الشيخ، فلا جناح عليهما، وإن أردتم، أيها الشيوخ، أن تسترضعوا أولادكم بإرسال منْ يُذكِّرُهم، ويمدهم، نائباً عنكم، فلا جناح عليكم إذا سلمتم لهم من الإمداد ما يمدهم به، واتقوا الله في شأن المريدين، في جبر كسرهم، وقبول عذرهم، واعلموا أن الله بما تعملون بصير.