الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } * { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قلت: المحيض: مصدر، كالمقيل والمعيش والمجيء، وهو الحيض. يقول الحقّ جلّ جلاله: { ويسألونك } يا محمد { عن } قرب النساء بالجماع في زمن { المحيض قل } لهم: { هو أذى } ، أي: مُضِرٍّ، أو مُنتن مستقذر، لا يَرضى ذو همة أن يقربه، { فاعتزلوا } مجامعة { النساء في } زمن { المحيض ولا تقربوهن } بالجماع في المحل { حتى يطهرن } من الدم، بانقطاعه، ويغتسلن بالماء، { فإذا تطهرن } بالماء { فأتوهن من حيث أمركم الله } وهو الفرج، الذي أمركم باجتنابه في الحيض إذ هو محل زراعة النطفة. فمن غلبته نفسه حتى وطئء في الحيض، أو النفاس، فليبادر إلى التوبة، { إن الله يحب التوابين } كلما أذنبوا تابوا. ولا تجب كفارة على الواطئ، على المشهور. وقال ابن عباس والأوزاعي: من وطئ قبل الغسل تصدق بنصف دينار، ومن وطئ في حال سيلان الدم تصدق بدينار. رواه أبو داود حديثاً. ومن صبر وتنزَّه عن ذلك فإن الله { يحب المتطهرين } من الذنوب والعيوب كلها، وإنما أعاد العامل لأن محبته للمتنزهين أكثر. قال البيضاوي: رُوِيَ أن أهل الجاهلية كانوا لا يُسَاكنون الحائض ولا يُؤاكلونها، كفعل اليهود والمجوس، واستمر ذلك إلى أنْ سأل أبو الدحْداح، في نفر من الصحابة، عن ذلك، فنزلت. ولعله سبحانه - إنما ذكر " إنما يسألونك " من غير واو، ثلاثاً، ثم بها ثلاثاً لأن السؤالات الأُوَل كانت في أوقات متفرقة، والثلاثة الأخيرة كانت في وقت واحد فلذلك ذكرها بحرف الجمع. هـ. ثم بيَّن الحق تعالى كيفية إتيان النساء بعد الطُهر، فقال: { نساؤكم حرث لكم } ، أي: مواضع حرثكم، شبه ما يلقى في أرحامهن من النطف، بالبذر، والأرحام أرض لها، { فأتوا حرثكم } أي: محل حرثكم، وهو الفرج، { أنى شئتم } أي: من أي جهة شئتم. رُوِيَ أن اليهود كانوا يقولون: مَنْ جامع امرأته مِنْ خَلْفهَا في قُبُلِهَا جَاء الولُد أَحْولَ، فذُكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت. وقيل: إنَّ قُريشاً كانوا يأتون النساء من قُدَّام، مستلقية، والأنصار كانوا يأتوهن من خلف، باركة، فتزوج رجل من المهاجرين امراة من الأنصار، فأراد أن يفعل عادته، فامتنعت، وأرادت عادتها، فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية بالتخيير للرجل، مع الإتيان في المحل، وأما الإتيان في الدُّبُر فحرام، ملعونٌ فاعله، وقال في القوت: { فأتوا حرثكم أنى شئتم } أي: في أي وقت شئتم، ومن أي مكان شئتم، مع اتحاد المحل. هـ. ثم حذَّر الحق تعالى من متابعة شهوة النساء، والغفلة عن الله، فقال: { وقدموا لأنفسكم } ما تجدون ثوابه مُدخراً عنده، وهو ذكر الله في مظان الغفلة، قيل: التسمية قبل الوطء وقيل: طلب الولد، والتحقيق: أنه الحضور مع الحق عند هيجان الشهوة، قال بعض العارفين: إني لا أغيب عن الله ولو في حالة الجماع.

السابقالتالي
2