الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلاۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ }

قلت: { أم } منقطعة بمعنى بل، وتتضمن استفهاماً إنكاريّاً، و " حسب " تتعدى إلى مفعولين، أي: أظننتم دخول الجنة حاصلاً من غير أن يأتيكم؟. و { لما } أصلها { لم } زيدت عليها " ما " وهي تدل على توقع منفيها بخلاف لم. و { حتى يقول } يصح فيه النصب { أن } لأن الزلزلة متقدمة على قول الرسول، والرفع على حكاية الحال، أي: وزلزلوا حتى حالتهم حينئذٍ أن الرسول ومن معه يقولون كذا وكذا. وفائدة الحكاية: فرض ما كان واقعاً في الزمان الماضي واقعاً في هذا الزمان، تصوّراً لتلك الحال العجيبة، واستحضاراً لصورتها في مشاهدة السامع، وإنما وجب رفعه عند إرادة الحال لأنه نصبه يؤدي إلى تقدير { أن } ، وهي للاستقبال، والحال يُنافيه، ويصح في موضع " حتى " الداخلة على الحال الفاء السببية. يقول الحقّ جل جلاله للرسول - عليه الصلاة والسلام - والمؤمنين، تسلية لهم وتشجيعاً لقلوبهم: أظننتم أن تدخلوا الجنة ولمَّا يُصبكم مثلُ ما أصاب مَنْ قبلَكم من الأنبياء وأممهم، فقد { مسّتهم البأساء } في أموالهم بالغصب والنهب والموت { والضراء } وفي أبدانهم بالتقل في الحرب والمرض وأنواع البلاء، { وزلزلوا } أي: ضُربوا بالمحن والشدائد، وطال عليهم البلاء، وتأخر عنهم النصر، حتى أفضى بهم الحال إلى أن قالوا: { متى } يأتينا { نصر الله }؟ استبطاء لمجيئه مع شدة البلاء. قال الحقّ جلّ جلاله بشارةً لهم: { ألا إن نصر الله قريب } فلا تستعجلوا،وَاصْبِرُواْ إِنَ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } [الأنفَال: 46]،وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [الأعرَاف: 128]. الإشارة: الجنة حفت بالمكاره، ولا فرق بين جنة الزخارف وجنة المعارف، فمن رام دخول جنة المعارف قبل أن يمسه شيء من المكاره، فقد رام المحال. قال أبو المواهب: من ادعى شهود الجمال، قبل تأدبه بالجلال، فارفضه فإنه دجال. وقال بعض العارفين: [صيحة العدو سوط الله يزجر به قلوب أوليائه لئلا تسكن إلى غيره }. وفي الحكم: " إنما أَجْرَى الأذى عيلهم كي لا تكونَ ساكناً إليهم، أراد أن يزعجك عن كل شيء حتى لا تكون ساكناً إلى شيء ".وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه: " اللهمَّ إنَّ القوم قَد حكَمْتَ عليهم بالذل حتى عزُّوا، وحكمت عليهم بالفقْدِ حتى وَجَدُوا }. فتسليط الخلق على أولياء الله في بدايتهم سنة ماضية، وحكمة إلهية،وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً } [الأحزَاب: 62]. حتى إذا تخلصوا من البقايا، وكملت فيهم المزايا، نشر فضيلهم لعباده، فأقروهم ليُعرفُوهم الطريق إلى الله، ويدلوا العباد على الله، بعد أن كساهم حينئذٍ كُسوة الجمال وكسوة الجلال، فبكسوة الجمال يقع الائتلاف عليهم والعطف لهم، وبكسوة الجلال يقع الامتثال لأمرهم والاستماع لقولهم. والله تعالى أعلم. ولمّا أمر الحق تعالى بالنفقة في الجهاد وغيره، سألوا ما الذي ينفقون؟، فبيَّن الله تعالى لهم المنفَق والمحل الذي تُدفع فيه.