الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } * { وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم وَأَخْرِجُوهُمْ مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ } * { فَإِنِ ٱنتَهَوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ للَّهِ فَإِنِ ٱنْتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } * { ٱلشَّهْرُ ٱلْحَرَامُ بِٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ } * { وَأَنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }

قلت: { التهلكة }: مصدر هلك - بتشديد اللام - قاله ابن عطية. وضمن { تُلْقُوا } معنى تفضوا، أو تنتهوا، فعدَّاه بإلى، أي: ولا تفضوا بأنفسكم إلى التهلكة. ولا يحتاج إلى زيادة الباء. وسبب نزول الآية: أن المشركين صَدُّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، وصالحوه على أن يرجع في قابل، فيخلوا له البيت ثلاثة أيام، فرجع لعمرة القضاء، وخاف المسلمون ألا يفوا لهم، فيقاتِلُوا في الحرم والشهر الحرام، وكرهوا ذلك، فنزلت الآية. يقول الحقّ جلّ جلاله: { وقاتلوا في سبيل الله } وإعلاء كلمته { الذين يقاتلونكم } أي: يبدءونكم بالقتال، { ولا تعتدوا } فتقاتلوهم قبل أن يبدءوكم، { إن الله لا يحب المعتدين } لا ينصرهم ولا يؤيدهم. ثم نسخ هذا بقوله:وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً... } [التوبة: 36] الآية. { واقتلوهم حيث ثقفتموهم } أي: وجدتموهم، ولا تتحرجوا من قتالهم في الحرم، فإنهم هم الذين صدوكم وبدأوكم بالإذاية، { وأخرجوهم } من مكة { حيث أخرجوكم } منها، { والفتنة } أي: الكفر الذي هم فيه، { أشد من القتل } لهم في الحرم، { ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام } ابتداءً { حتى يقاتلوكم فيه، فإن قاتلوكم } فيه { فاقتلوهم } فيه، وفي غيره، { كذلك جزاء الكافرين } يفعل بهم ما فعلوا بغيرهم، { فإن انتهوا } عن الشرك وأسلموا { فإن الله غفور } لهم { رحيم } بهم. { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } أي: شرك { ويكون الدين } خالصاً { لله } بحيث لا يبقى في جزيرة العرب إلا دين واحد، { فإن انتهوا } عن قتالكم، فلا تعتدوا فإن { لا عدوان إلا على الظالمين } إذ لا يحسن أن يظلم إلا من ظلم. القتال الصدر منكم لهم في { الشهر الحرام } في مقابلة الصد الذي صدر منهم لكم في الشهر الحرام، { والحرمات قصاص } يقتص بعضها من بعض، فكما انتهكوا حرمة الشهر الحرام، بمنعكم من اليبت، فانتهكوا حرمتهم بالقتل فيه. { فمن اعتدى عليكم } بالقتال في الأشهر الحُرُم، أو في الحرَم { فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم، واتقوا الله } فلا تنتصروا لنفوسكم، { واعلموا أن الله مع المتقين } بالحفظ والتأييد. { وأنفقوا في سبيل الله } في جهاد عدوكم، ولا تمسكوا عن الإنفاق فيه فتلقوا { بإيديكم } أي: بأنفسكم { إلى التهلكة } أي: الهلكة فيستولي عليكم عدوكم. رُوِيَ عن أبي أيوب الأنصاري أنه كان على القسطنطينية، فحمل رجل على عسكر العدو، فقال قوم: ألقى بيده إلى التهلكة، فقال أبو أيوب: لا، إن هذه الآية نزلت في الأنصار، قالوا - لما أعز الله الإسلام وكثرب أهله -: لو رجعنا إلى أهلينا وأموالنا نقيم فيها ونصلحها، فأنزل الله فينا { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } ، وأما هذا فهو الذي قال فيه الله تعالى:وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ } [البقرة: 207] أو: ولا تنفقوا كل أموالكم فتتعرضوا للهلكة، أو الطمع في الخلق، ولكن القصد، وهو الوسط.

السابقالتالي
2