الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ } * { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

قلت: { أو } للتنويع، أو بمعنى الواو، و { الصيب }: المطر، فَيْعِلٌ، من صاب المطر إذا نزل، وهو على حذف مضاف، أي: أو كذي صيب، وأصله: صيوب، كسيد، قلبت الواو ياء وأدغمت، ولا يوجد هذا إلا في المعتل كميت وهين وضيق وطيب. و { الرعد }: الصوت الذي يخرج من السحاب، و { البرق }: النور الذي يخرج منه. قال ابن عزيز: رُوِيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إنَّ الله عزَّ وجلَّ ينشىءُ السَّحَابَ فَتنطِقُ أحْسَنَ النطْق، وتَضْحَكُ أحسَنُ الضحك، فنطقها الرعدُ، وضَحِكُها البَرْقُ " وقال ابن عباس: " الرعدُ مَلَكٌ يسوقُ السَّحابَ، والبرقُ سَوْطٌ مِنْ نُورٍ يَزْجُرُ بهِ السَّحَاب. هـ. والصواعق: قطعة من نار تسقط من المخراق الذي بيد سائق السحاب، وقيل: تسقط من نار بين السماء والأرض، والله تعالى أعلم. يقول الحقّ جلّ جلاله: ومثل المنافقين أيضاً كأصحاب مطر غزير { فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ } وهدير أصابهم في ليلة مظلمة وقفراء مُدْلهمة. فيه { بَرْقٌ } يلمع، وصاعقة تقمع، إذا ضرب الرعد وعظم صوته جعلوا { أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم } من الهول والخوف حذراً من موت أنفسهم، وقد ماتت أرواحهم وقلوبهم، وإذا ضرب البرق كاد { أن يخطف أبصارهم } ، فإذا لمع أبصروا الطريق، و { مشوا فيه، وإذا أظلم عيهم قاموا } متحيرين حائدين عن عين التحقيق،وَاللَّهُ مِن وَرَآئِهِم مُّحِيطُ } [البُرُوج: 20]. { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ } بصوت ذلك الرعد، { وَأَبْصَارِهِمْ } بلمعان ذلك البرق، { إن الله على كل شيء قدير } لا يعجزه شيء. هذا مثلهم في تحيّرهم واضطرابهم، فيحتمل أن يكون من التشبيه المركب، وهو تشبيه الجملة بالجملة، أو من المفَصَّل، فيكون المطر مثالاً للقرآن، وفيه ذكر الكفر والنفاق المُشَبَّهَيْن بالظلمات، والوعد عليه والزجر المشبّه بالرعد، والحُجج الباهرة التي تكاد أحياناً تبهرهم المشبهة بالبرق، وتخوفهم وروعُهم هو جَعْل أصابعهم في آذانهم، لئلا يسمعون فيميلوا إلى الإيمان، وفَضْحُ نفاقهم وتكاليفُ الشرع التي يكرهونها هي الصواعق. والله تعالى أعلم. الإشارة: أهل الخصوصية إذا ظهروا بين العموم بأحوال غريبة وعلوم وَهْبية، وأسرار ربانية وأذكار نورانية، دهشوا منهم وتحيّروا في أمرهم، وخافوا على أنفسهم، فإذا سمعوا منهم علوماً لدنية وأسراراً ربانية فرّوا منها، وجعلوا أصابعهم في آذانهم، خوفاً على نفسهم أن تفارق عوائدها وهواها، وإذا خاصمهم أحد من العموم ألجموه بالحجة، فتكاد تلك الحجة تخطفه إلى الحضرة، كلما لمع له شيء من الحق مشى إلى حضرته، وإذا كرّت عليه الخصوم والخواطر، وأظلم عليه الحال، وقف في الباب حيران، ولو شاء الله لذهب بعقله وسمعه وبصره، فيبصر به إلى حضرته. من استغرب أن ينقذه الله من شهوته، وأن يخرجه من وجود غفلته، فقد استعجز القدرة الإلهيةوَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ مُّقْتَدِراً }

السابقالتالي
2