الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

قلت: { أياماً } منصوب على الظرفية، واختُلِف في العامل فيه، والأحسنُ أنه الصيام، ولا يضره الفصل لأن الظرف يُتوسع فيه ما لا يتوسع في غيره، و { معدودات } نعت له، و { عدة } مبتدأ أي: فَعَليْهِ عِدَّةٌ. و { أُخر } ممنوع من الصرف للعدل عن الألف واللام والوصف. و { شهر رمضان } إما خبر عن مضمر، أو مبتدأ، والخبر: الألف واللام والوصف: و { شهر رمضان } إما خبر عن مضمر، أو مبتدأ، والخبر: { فمن شهد } ، أو بدل من { الصيام } ، على حذف مضاف، أي: صيام شهر رمضان. و { رمضان } مصدر رمَض إذا احترق، وأضيف إليه الشهر، وجُعل عَلَما، ومُنع من الصرف للعلَمية والألف والنون. وسَمَّوْه بذلك إما لارتماض القلب فيه من حرَّ الجوع والعطش، أو لارتماض القلب فيه من حَرَّ الجوع والعطش، أو لارتماض الذنوب فيه، أو وافق الحرَّ حين نقلوا الشهور عن اللغة القديمة. و { الشهر } ظرف، لقوله: { شهد } أي: حضر، وقوله: { ولتكلموا... } الآية، هذه ثلاثُ عِللَ لثلاثة أحكام على سبيل الفِّ والنَّشْرِ المعكوس، أي: ولتكملوا العدة أمرتُكم بقضاء عدة أيام أخر، ولتكبروا الله عند تمام الشهر أمرتُكم بصيام الشهر كله، ولعلكم تشكرون أردتُ بكم اليسر دون العسر. يقول الحقّ جلّ جلاله: { يا أيها الذين آمنوا } فُرض عليكم { الصيام } كما فرض { على الذين من قبلكم } من الأنبياء وأَمَمِهم من لدن آدم، فلكم فيهم أسوة، فلا يشق عليكم { لعلكم تتقون } المعاصي، فإن الصوم يكسر الشهوة. ولذلك قال - عليه الصلاة والسلام-: " مَنْ اسْتَطَاعَ منْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، ومَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَليْه بالصَّوْمِ، فَإِنَّه لَهُ وِجَاء ". وذلك الصيام إنما هو في أيام قلائل { معدودات } فلا يهولكم أمره، { فمن كان منكم مريضاً } يشق عليه الصيام، { أو على سفر } فأفطر فعليه صيام عدة ما أفطر { من أيام أُخر } بعد تمام الشهر، { وعلى الذين يطيقونه } بلا مشقة، إن أرادوا أن يفطروا { فديةُ } وهي: { طعام مساكين }: مُدٍّ لكل يوم. وفي قراءة { فديةٌ طعامُ مسكين } أي: وهي طعام مسكين لكل يوم. وقيل: نصف صاع. { فمن تطوع } بزيادة المُد، أو أطعم مسكينَينْ عن يوم، { فهو خير له } وأعظم أجراً، { وإن تصوموا } أيها المطيقون للصيام، { خير لكم إن كنتم تعلمون } ما في الصيام من الأسرار، والخير المدرار، ثم نسخ بقوله: { فمن شهد منكم الشهر فليصمه }. وذلك الصيام الذي أُمرتم به هو { شهر رمضان } المبارك { الذي أنزل فيه القرآن } أي: ابتداء نزوله فيه. أو إلى سماء الدنيا، حالة كونه { هدى للناس } أي: هادياً لهم إلى طريق الوصول، وآيات واضحات { من الهدى والفرقان } الذي يفرق بين الحق والباطل. وإن شئتَ قلتَ: فيه هدى للناس إلى مقام الإسلام، { وبينات } ، أي: حججاً واضحة تهدي إلى تحقق الإيمان، وإلى تحقق الفرق بين الحق والباطل، وهو ما سوى الله، فيتحقق مقام الإحسان.

السابقالتالي
2