الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ أَنَّ ٱلْقُوَّةَ للَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعَذَابِ } * { إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلأَسْبَابُ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ }

{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ... } قلت: ويُحتمل في وجه المناسبة، أن يكون الحق تعالى لمّا ذكر دلائل التوحيد ذكّر من أعرض بعد وضوحها فأشرك معه، ليرتب بعد ذلك ما أعدَّ له من العذاب، والأنداد: جمع نِدْ وهو المِثْل، والمراد هنا الأصنام أو الرؤساء، والإضافة في { كحُب الله } من إضافة المصدر إلى مفعوله، والحُب: ميل القلب إلى المحبوب، وسأتي في الإشارة إن شاء الله. يقول الحقّ جلّ جلاله: { ومن الناس من يتخذ من دون الله } أشباهاً وأمثالاً من الأصنام والرؤساء { يحبونهم } ، وينقادون إليهم، كما يحبون الله تعالى، فيُسَوَّون في المحبة بين الله تعالى العلي الكبير، وبين المصنوع الذليل الحقير، { والذين آمنوا } بالله ووحَّدُوه { أشد حبّاً لله } لأن المؤمنين لا يلتفتون عن حبوبهم في الشدة ولا في الرخاء، بخلاف الكفار فإنهم يعبدونهم في وقت الرخاء، فإذا نزل البلاء التجؤوا إلى الله. قال تعالى:ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ } [النّحل: 53] الآية، وأيضاً: المؤمنون يعبدون الله بلا واسطة، والكفار يعبدونه بواسطة أصنامهممَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى } [الزمر: 3] وأيضاً المؤمنونن يعبدون ربّاً واحداً فاتحدت مبحتهم. قال سعيد بن جبير: إن الله تعالى يأمر يوم القيامة مَنْ عبد الأصنام أن يدخلوا النار مع أصنامهم، فيمتنعون لعلمهم بالخلود فيها، ثم يقول للمؤمنين بين يدي الكفار: إن كنتم أحبائي فادخلوا، فيقتحم المؤمنون النار، وينادي مُنَأدٍ مِنْ تحت العرش: { والذين آمناو أشد حبّاً لله }. وفي ذلك يقول ابن الفارض:
أحِبّايَ أنتُم، أحْسَنَ الدهرُ أَمَ أسَا فكونوا كَمَا شِئْتُم، أَنا ذلك الخِلُّ   
وقال أيضاً:
لَو قالَ تِيهاً: قِف عَلَى جَمْرِ الغَضَا لوقفتُ مُمْتثلاً، ولَمْ أَتَوقَّفِ   
وقال آخر:
ولَو عَذَّبْتَني في النارِ حتْماً دخلتُ مُطاوعاً وسْطَ الجَحِيمِ إذا كَانَ الجَحِيمُ رِضَاك عَنِّي فَمَا ذاكَ الجَحِيمُ سِوَى نَعِيمِ   
الإشارة: المحبةُ: مَيلٌ دائم بقلب هائم، أو مراقبة الحبيب في المشهد والمغيب، أو مواطأةُ القلب لمراد الرب، أو خوف ترك الخدْمة مع إقامة الحُرْمة، أو اسْتِقْلالُ الكثير من نفسك واستكثارُ القليل مِنْ حبيبك، أو معانقة الطاعة ومباينة المخالفة، وقال الشِّبْلِي: أن تَغَار على المحبوب أن يحبه مثلك والمحب على الحقيقة من لا سلطان على قلبه لغير محبوبه، ولا مشيئة له غير مشيئته، وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه: المحبة أخْذَةٌ من الله لقلب عبده المؤمن عن كل شيء سواه، فترى النفس مائلة لطاعته، والعقل متحصّناً بمعروفه، والروح مأخوذة في حضرته، والسر مغموراً في مشاهدته، والعبد يستزيد من محبته فيزداد، ويفاتح بما هو أعذب من لذيذ مناجاته، فيكسي حلل التقريب على بساط القربة، ويَمَسُّ أبكارَ الحقائق وثيبات العلوم، فمن أجل ذلك قالوا: أولياء الله عرائس، ولا يَرَى العرائسَ المجرمون.

السابقالتالي
2 3 4