قلت: { إلهكم إله واحد } مبتدأ وخبر، وجملة { لا إله إلا هو }: تقرير لها وتأكيد، و { الرحمان الرحيم }: خبران آخران، أو عن مبتدأ مضمر، وأنث { الفلك } لأنه بمعنى السفينة، و { من السماء } ابتدائية، و { من ماء } بيانية، و { بث }: عطف على { أنزل } أو { أحيا } لأن الحيوانات تنمو بنزول المطر والخصب، والبث: النشر والتفريق و { تصريف الريح }: هبوبها من الجهات المختلفة. يقول الحقّ جلّ جلاله: { وإلهكم } يا معشر العباد الذي يستحق أن يعبد { إله واحد } لا شريك له، ولا نظير، ولا ضد له ولا ند، { لا إله إلا هو } ، إذ لا يستحق العبادة غيره، إذ هو { الرحمن } بنعمة الإيجاد { الرحيم } بنعمة الإمداد، فكل ما سواء مُكونٌ مخلوق، إما مُنْعَم عليه أو نعمة، فلم يستحق العبادة غيره. ثم برهن على وجوده، وثبوت وحدانيته بثمانية أمور، فقال: { إن في خلق السماوات } طباقاً متفاصلة مرفوعة بغير عمد، وما اشتملت عليه من الكواكب والبروج والمنازل، وفي { الأرض } وما اشتملت عليه من الجبال والبحار والأنهار والأشجار وأنواع الثمار، وفي { اختلاف الليل والنهار } بالطول القصَر، أو تعاقبها بالذهاب والمجيء، { و } في { الفلك التي تجري في البحر } بقدرته مع إمكان رسوبها إلى الأسفل، متلبسة { بما ينفع الناس } من التجارة وغيرها. وقال البيضاوي: القصد بالاستدلال بالبحر وأحواله، وتخصيص الفلك بالذكر لأنه سبب الخوض فيه والاطلاع على عجائبه ولذلك قَدَّمه على ذكر المطر والسحاب، لأن منشأهما منه في الغالب. هـ. { و } في { ما أنزل الله من السماء من ماء } من غير ظهور مادة سابقة، بل تُبرزه القدرة من عالم الغيب قريب عهد بالله، ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يَتَمَطَّر أي: يَنْصُبُ وجهه للمطر إذا نزل تبركاً به، { فأحيا } الحقّ تعالى بذلك المطر { الأرض بعد موتها } ويُبْسِها، بالنبات والأزهار وأصناف النّوار والثمار، وفيما نشر { فيها من كل دابة } من النملة إلى الفيلة، { و } في { تصريف الرياح } وهبوبها من جهات مختلفة، وهي الجهات الأربع وما بينها بصفات مختلفة، مُلَقِّحَةٍ للشجر وعقيم وصرِ، وللنصر والهلاك { و } في { السحاب المسخر } أي: المذلَّل { بين السماء والأرض } لا يسقط ولا يرتفع، مع أن الطبع يقتضي أحدهما، أو مسخر للرياح تُقَلِّبه في جو السماء بمشيئة الله { لآيات لقوم يعقلون }. أي: تلك المخلوقات آيات دالّة على وحدانيته تعالى وباهرٍ قدرته، و{ لَوْ كَانَ فِيهِمَآ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا } [الأنبياء: 22]. وفي الآية حَضٍّ على التفكر، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: " ويلٌ لِمَنْ قَرأَ هَذهِ الآيةِ فَمَجَّ بِها " ، أي: لم يتفكر فيها دلالة على شرف علم التوحيد العام والخاص. والله تعالى أعلم. الإشارة: قال الجنيد: التوحيد معنى تضْمَحِل فيه الرسوم وتندرج فيه العلوم، ويكونُ الله كما لم يزل.