الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } * { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

قلت: { إلهكم إله واحد } مبتدأ وخبر، وجملة { لا إله إلا هو }: تقرير لها وتأكيد، و { الرحمان الرحيم }: خبران آخران، أو عن مبتدأ مضمر، وأنث { الفلك } لأنه بمعنى السفينة، و { من السماء } ابتدائية، و { من ماء } بيانية، و { بث }: عطف على { أنزل } أو { أحيا } لأن الحيوانات تنمو بنزول المطر والخصب، والبث: النشر والتفريق و { تصريف الريح }: هبوبها من الجهات المختلفة. يقول الحقّ جلّ جلاله: { وإلهكم } يا معشر العباد الذي يستحق أن يعبد { إله واحد } لا شريك له، ولا نظير، ولا ضد له ولا ند، { لا إله إلا هو } ، إذ لا يستحق العبادة غيره، إذ هو { الرحمن } بنعمة الإيجاد { الرحيم } بنعمة الإمداد، فكل ما سواء مُكونٌ مخلوق، إما مُنْعَم عليه أو نعمة، فلم يستحق العبادة غيره. ثم برهن على وجوده، وثبوت وحدانيته بثمانية أمور، فقال: { إن في خلق السماوات } طباقاً متفاصلة مرفوعة بغير عمد، وما اشتملت عليه من الكواكب والبروج والمنازل، وفي { الأرض } وما اشتملت عليه من الجبال والبحار والأنهار والأشجار وأنواع الثمار، وفي { اختلاف الليل والنهار } بالطول القصَر، أو تعاقبها بالذهاب والمجيء، { و } في { الفلك التي تجري في البحر } بقدرته مع إمكان رسوبها إلى الأسفل، متلبسة { بما ينفع الناس } من التجارة وغيرها. وقال البيضاوي: القصد بالاستدلال بالبحر وأحواله، وتخصيص الفلك بالذكر لأنه سبب الخوض فيه والاطلاع على عجائبه ولذلك قَدَّمه على ذكر المطر والسحاب، لأن منشأهما منه في الغالب. هـ. { و } في { ما أنزل الله من السماء من ماء } من غير ظهور مادة سابقة، بل تُبرزه القدرة من عالم الغيب قريب عهد بالله، ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يَتَمَطَّر أي: يَنْصُبُ وجهه للمطر إذا نزل تبركاً به، { فأحيا } الحقّ تعالى بذلك المطر { الأرض بعد موتها } ويُبْسِها، بالنبات والأزهار وأصناف النّوار والثمار، وفيما نشر { فيها من كل دابة } من النملة إلى الفيلة، { و } في { تصريف الرياح } وهبوبها من جهات مختلفة، وهي الجهات الأربع وما بينها بصفات مختلفة، مُلَقِّحَةٍ للشجر وعقيم وصرِ، وللنصر والهلاك { و } في { السحاب المسخر } أي: المذلَّل { بين السماء والأرض } لا يسقط ولا يرتفع، مع أن الطبع يقتضي أحدهما، أو مسخر للرياح تُقَلِّبه في جو السماء بمشيئة الله { لآيات لقوم يعقلون }. أي: تلك المخلوقات آيات دالّة على وحدانيته تعالى وباهرٍ قدرته، ولَوْ كَانَ فِيهِمَآ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا } [الأنبياء: 22]. وفي الآية حَضٍّ على التفكر، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: " ويلٌ لِمَنْ قَرأَ هَذهِ الآيةِ فَمَجَّ بِها " ، أي: لم يتفكر فيها دلالة على شرف علم التوحيد العام والخاص. والله تعالى أعلم. الإشارة: قال الجنيد: التوحيد معنى تضْمَحِل فيه الرسوم وتندرج فيه العلوم، ويكونُ الله كما لم يزل.

السابقالتالي
2