الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـٰهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } * { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }

قلت: { أم }: منقطعة، والاستفهام فيها للإنكار، أي: ما كنتم حاضرين حين حضر يعقوب الموت، وقال لبنيه ما قال، فكيف تدعون اليهودية عليه، و { إلهاً واحداً } بدل من { إله آبائك } ، وفائدته التصريح بالتوحيد، ونفي التوهم الناشىء عن تكرير المضاف، لتعذر العطف على المجرور، والتأكيد، أو نصب على الاختصاص أو الحال، وعد إسماعيل من الآباء تغليباً، أو لأنه كالأب لقوله - عليه الصلاة والسلام-: " عَمُّ الرُجلِ صِنْوُ أبيه " وقال في العباس: " هذا بقية آبائي " قاله البيضاوي. يقوله الحق جلّ جلاله: في توبيخ اليهود على زعمهم أن اليهودية كانت ملة إبراهيم، وأن يعقوب عليه السلام أوصى بها عند موته، فقال: هل كنتم حاضرين عند يعقوب حين حضرته الوفاة حتى أوصى بما زعمتهم؟ وإنما كانت وصيته أن قال لبنيه: { ما تعبدون من بعدي } أيْ: أيّ شيء تعبدونه؟ أراد به تقريرهم على التوحيد وأخذ ميثاقهم على الثبات عليه، { قالوا } في جوابه: { نعبد إلهك } المتفق على وجوب وجوده وثبوت ألوهيته الذي هو { إلهك وإله آبائك } قبلك { إبراهيم } وولده { إسماعيل وإسحاق } الذي هو إلهٌ واحدٌ. ونحون منقادون لأحكامه، مستسلمون لأمره إلى مماتنا، فلم يوص يعقوب إلا بما سمعتم، فانتسابكم يا معشر اليهود إليهم لا يوجب انتفاعكم بأعمالهم، وإنما تنتفعون بموافقتهم واتباعهم. فتلك { أمة } أي: جماعة { قد خلت لها ما كسبت } من الخير، { ولكم ما كسبتم } أنتم، { ولا تسألون عما كانوا يعملون } فلا تؤاخذون بسيئاتهم، كما لا تثابون بحسناتهم. وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم لقريش: " لا يأتيني الناسُ بأعمَالهِم وتَأتُوني بأنْسَابِكُم ". الإشارة: يقال لمن حصرَ الخصوصية في أسلافه، ونفاها عن غيرهم: هل حضرتم معهم حين أوصوا بذلك؟ بل ما كانوا يوصون إلا بإخلاص العبودية، وتوحيد الألوهية، ومشاهدة عظمة الربوبية، فمن حصّل هذه الخصال كانت الخصوصية معه أينما كان، ومَن حاد عنها ومال إلى متابعة الهوى انتقلت إلى غيره، ويقال له: إن أسلافه قد جَدُّوا ووجَدُوا، وأنت لا تنتفع بأعمالهم في طريق الخصوصية، { تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم... } الآية. وبالله التوفيق.