الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَٰـقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ وٱتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

قلت: { عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ } على حذف مضاف، أي: على عهد ملك سليمان، أو { عَلَى } بمعنى { في } ، وقوله: { وَمَا أُنزِل } عطفٌ على السحر، عَطْفَ تفسير، والفتنة في الأصل: الاختبار، تقول: فتنت الذهب والفضة إذا أدخلتهما النار لتعلم جودتهما من رداءتهما، وقوله: { لَمَثُوبَةٌ } جواب { لَّوْ } ، والأصل: لأثِيبوا، ثم عَدَلَ إلى الجملة الاسمية لتدل على الثبوت. يقول الحقّ جلّ جلاله: في شأن اليهود: ولما جاءهم كتاب من عند الله نبذوه { وَاتَّبَعُوا } ما تقرأ { الشَّيَاطِينُ } على الناس من السحر { عَلَى } عهد { مُلْكِ سُلَيْمَانَ } ، وذلك أن الشياطين كانوا يسترقون السمع ويضمون إلى ما سمعوا أكاذيب، ويلقونها إلى الكهنة، وهم يدونونها ويعلمونها الناس، وفَشَا ذلك في عهد سليمان حتى قيل: إن الجن يعلم الغيب، وإن ملك سليما إنما قام بهذا، وأنه به سخر الجن والإنس والريح، فجمع سليمان ما دُوِّن منه ودفنه، فاستخرجته الشياطين بعد موته، فردَّ الله تعالى قولهم بقوله: { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ } باستعمال السحر لأنه تعظيم غير الله بالتقرب للشيطان، والنبيّ معصوم { وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ } هم الذين { كَفَرُوا } باستعماله { يُعلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ } إغواء وإضلالاً، ويعلمون { مَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَينِ } في بلد بابل من سواد الكوفة، وهما { هَارُوتَ وَمَارُوتَ }. كانا ملكين من أعبد الملائكة، ولما رأت الملائكة ما يصعد إلى السماء من أعمال بني آدم الخبيثة في زمن إدريس عليه السلام عيروهم بذلك، وقالوا: يا ربنا هؤلاء الذين جعلهم خليفة في الأرض يعصونك؟ فقال الله تعالى: لو أنزلتكم إلى الأرض، وركَّبْتُ فيكم ما ركبت ُ فيهم لارتكبتم ما ارتكبوا، قالوا: سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نعصيك. فقال الله تعالى: فاختاروا ملكين من خِياركم أُهبطهما إلى الأرض. فاختاروا هاروت وماروت، وكانا من أعبد الملائكة، فركّب الله تعالى فيهما الشهوة، وأمرهما أن يحكما في الأرض بين الناس بالحق، في الأرض بين الناس بالحق، ونهاهما في الشرك والقتل بغير الحق، والزنا وشرب الخمر، فكانا يقضيان بين الناس يومهما، فإذا أمسيا ذكرا اسم الله الأعظم وصعدا إلى السماء، فاختصمت إليهما ذات يوم امرأة يقال لها الزهرة: وكانت من أجمل النساء من أهل فارس، فأخذت بقلبيهما، فراوداها عن نفسها، فأبت ثم عاودت في اليوم الثاني، ففعلا مثل ذلك فأبت، وقالت: إلا أن تعبدا ما أعبد، وتصليا لهذا الصنم، وتقتلا النفس وتشربا الخمر، فأبيا هذه الأشياء، وقالا: إن الله نهاهنا عنها، فانصرفت، ثم عادت في اليوم الثالث، فراداها، فعرضت عليهما ما قالت بالأمس، فقالا: الصلاة لغير الله ذنب عظيم، وأهونُ الثلاث شرب الخمر، فشربا، وانتشيا، ووقعا بالمرأة، فلما فرغا رآهما إنسان فخاف أن يظهر عليهما فقتلاه. وفي رواية عن سيّدنا عليّ – كرّم الله وجهه – أنه قال: قالت لهما: لن تدركاني حتى تخبراني بالذي تصعدان به إلى السماء، فقالا: باسم الله الأعظم، فعلماها ذلك، فتكلمت به، وصعدت إلى السماء فمسخها الله كوكباً.

السابقالتالي
2 3