الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً } * { لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً } * { تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً } * { أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً } * { وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } * { إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً } * { لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً } * { وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَرْداً }

قلت: { هَدًّا }: مصدر مؤكد لمحذوف، هو حال من الجبال، أي: تهد هدًا. و { أن دعوا }: على حذف اللام، أي: لأن دعوا، وفيه احتمالات أُخر. يقول الحقّ جلّ جلاله: { وقالوا اتخذ الرحمنُ ولدًا } هذه المقالة صدرت من اليهود والنصارى، ومن يزعم من العرب أن الملائكة بنات الله، لعن الله جميعهم، فسبحان الله وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا، فحكى جنايتهم إثر جناية عَبَدهَ الأصنام، وعطف القصة على القصة لاشتراكهم في الضلالة، قال تعالى في شأنهم: { لقد جئتم شيئًا إِدًّا } أي: فعلتم أمرًا منكرًا شديدًا، لا يقادر قدره، فهو رد لمقالتهم الباطلة، وتهويل لأمرها بطريق الالتفات المنبئ عن كمال السخط وشدة الغضب، المفصح عن غاية التشنيع والتقبيح، وتسجيل عليهم بغاية الوقاحة والجهل. و { جاء } يستعمل بمعنى فعل، فيتعدى تعديته، والإد - بكسر الهمزة وفتحها، وقُرئ بهما في الشاذ -: العظيم المنكر، الإدُّ: الشدة، قيل: الأدُّ: في كلام العرب: أعظم الدواهي. ثم وصفه وبيّن هوله فقال: { تكادُ السماواتُ يتفطّرنَ منه }: يتشققن مرة بعد أخرى، من عظم ذلك الأمر وشدة هوله، وهو أبلغ من " ينفطرن " كما قرئ به، { وتنشقُّ الأرضُ } أي: وتكاد تنشق وتذهب، { وتخرُّ الجبالُ } أي: تسقط وتنهدم { هَدًّا } بحيث لا يبقى لها أثر. والمعنى: أن هول تلك الكلمة الشنعاء وعظمها، بحيث لو تصورت بصورة محسوسة، لم يُطق سمعها تلك الأجرام العظام، ولتفتتت من شدة قبحها، أو: إن فظاعتها واستجلاب الغضب والسخط بها بحيث لولا حلمه تعالى، لخر العالم وتبددت قوائمه، غضبًا على من تفوه بها. قال محمد بن كعب: كاد أعداء الله أن يقيموا علينا الساعة، يعني: لأن ما ذكر أوصاف الساعة. وذلك { أن دَعَوا للرحمنِ ولدًا } أي: تكاد تنفطر السماوات وتنشق الأرض، وتنهدم الجبال لأجل أن دعوا، أي: نسبوا أو سموا للرحمن ولدًا، { وما ينبغي للرحمنِ أن يتخِذَ ولدًا } أي: قالوا اتخذ الرحمن ولدًا، أو دعوا له ولدًا، والحال أنه مما لا يليق به تعالى اتخاذ الولد لاستحالته عليه تعالى. ووضع الرحمن موضع الضمير للإشعار بعلية الحكم لأن كل ما سواه تعالى منعَّم عليه برحمته، أو نعمة من أثر الرحمة، فكيف يتصور أن يجانس من هو مبدأ النعم ومولى أصولها وفروعها، حتى يتَوهم أن يتخذه ولدًا، وقد صرح به قوله عزّ قائلاً: { إِن كل من في السماوات والأرض } أي: ما منهم من أحد من الملائكة أو الثقلين { إِلا آتي الرحمنِ عبدًا } مملوكًا لله في الحال بالانقياد وقهرية العبودية. { لقد أحصاهم } أي: حصرهم وأحاط بهم، بحيث لا يخرج أحد من حيطة علمه، وقبضة قدرته وقهريته، ما وجد منهم وما سيوجد، وما يقدر وجوده لو وجد، كل ذلك في علمه وقضائه وقدره وتدبيره، لا خروج لشيء عنه، وفي ذلك تصوير لقيام ربوبيته على كل شيء، وأنه عالم بكل شيء جملة وتفصيلاً، { وكلهم آتيه يومَ القيامةِ فردًا } أي: وكل واحد منهم يأتي يوم القيامة فردًا من الأموال والأنصار والأتباع، متفردًا بعمله، فإذا كان شأنه تعالى وشأنهم كذلك فأنى يتوهم احتمال أن يتخذ شيئًا منهم ولدًا؟!.

السابقالتالي
2