الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُ ٱلإِنسَانُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً } * { أَوَلاَ يَذْكُرُ ٱلإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً } * { فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَٱلشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً } * { ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً } * { ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِٱلَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيّاً } * { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً } * { ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً }

قلت: { أئذا }: ظرف، والعامل فيه محذوف، أي: أأُخرج إذا مت، لا المتأخر عن اللام لأنه لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، إلا أن يرخص في الظروف. واللام في { لَسَوْفَ } ليست للتأكيد، فإنه مُنْكِرٌ، وكيف يحقق ما ينكر، وإنما كلامه حكاية لكلام النبي صلى الله عليه وسلم، كأنه الذي قال: والله إن الإنسان إذا مات لسوف يُخرج حيًّا، فأنكر الكافر ذلك وحكى قوله، فنُزلت الآية على ذلك، قاله الجرجاني: و { الشياطين }: عطف على ضمير المنصوب، أو مفعول معه. و { جثيًّا }: حال من ضمير { لنحضرنهم } البارز، أي: لنحضرنهم جاثين، جمع جاث، من جثى إذا قعد على ركبتيه، وأصله: " جثوو " بواوين، فاستثقل اجتماعهما بعد ضمتين، فكسرت الثاء تخفيفًا، وانقلبت الواو الأولى ياء لانكسار ما قبلها، فاجتمعت واو وياء، وسبقت إحداهما بسكون، فقُلبت الواو ياء، وأدغمت الأولى في الثانية، ومن قرأ بكسر الجيم: فعلى الإتْبَاعِ. و { أَيُّهُم }: مبني على الضم عند سيبويه، لأنه موصول، فحقه البناء كسائر الموصولات، لكنه أعرب في بعض التراكيب للزوم الإضافة، فإذا حذف صَدْرُ صِلَتِهِ زاد نقصُه فقوي شبه الحرف فيه، وهو منصوب المحل بلننزعن، وقرئ منصوبًا على الإعراب، ومرفوعًا عند الخليل وغيره بالابتداء، وخبره: { أشد } ، والجملة محكية، والتقدير: لننزعن من كل شيعة الذين يُقال لهم أيهم أشد... الخ. وقال يونس: علق عنها الفعل وارتفعت بالابتداء، و { عتيًّا } و { صليًّا } أصلهما: عتوى وصلوى، من عتى وصلى، بالكسر والفتح، فاعلاً بما تقدم. يقول الحقّ جلّ جلاله: { ويقول الإِنسانُ } أي: جنس الإنسان، والمراد الكفرة، وإسناد القول إلى الكل لوجود القول فيما بينهم، وإن لم يقله الجميع، كما يقال: بنو فلان قتلوا فلانًا، وإنما القاتل واحد، وقيل: القائل: أُبيُّ بن خَلَف، فإنه أخذ عظامًا بالية، ففتتها، وقال: يزعم محمد أنا نُبعث بعد ما نموت ونصير إلى هذا الحال، فنزلت. أي: يقول بطريق الإنكار والاستبعاد: { أئذا ما متُّ لسوف أُخرج حيًّا } أي: أأبعث من الأرض بعد ما مِتُّ وأُخرج حيًا؟ قال تعالى: { أولا يَذكُرُ الإِنسانُ } ، من الذِّكر الذي يُراد به التفكر، ولذلك قُرئ بالتشديد من التذكير. والإظهارُ في موضع الإضمار لزيادة التقرير والإشعار بأن الإنسانية من دواعي التفكر فيما جرى عليها من شؤون التكوين، فإذا ترك التفكر التحق بالبهائم، فهلاّ يذكر أصله! وهو { أنا خلقناه من قبلُ } أي: من قبل الحالة التي فيها، وهي حالة حياته، { ولم يكُ شيئًا } أي: والحال أنه لم يك شيئًا أصلاً، وحيث خلقناه وهو في تلك الحال فلأن نبعث الجمع بتفرقاته أولى وأظهر لأن الإعادة أسهل من البدء. قال تعالى: { فوربّك لنحشرنهم } أي: لنجمعنهم بالسّوق إلى المحشر بعدما أخرجتهم من الأرض.

السابقالتالي
2 3 4