الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ فَحَمَلَتْهُ فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً } * { فَأَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ قَالَتْ يٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً } * { فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً } * { وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً } * { فَكُلِي وَٱشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً فَقُولِيۤ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً } * { فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُواْ يٰمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً } * { يٰأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } * { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً } * { قَالَ إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً } * { وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِٱلصَّلاَةِ وَٱلزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً } * { وَبَرّاً بِوَٰلِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً } * { وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً }

قلت: { رُطبًا }: تمييز، فيمن أثبت التاءين، أو حذف إحداهما، ومفعول به، فيمن قرأ بتاء واحدة مع كسر القاف. يقول الحقّ جلّ جلاله: { فحملَتْهُ } بأن نفخ جبريل في درعها، فدخلت النفخة في جوفها. قيل: إن جبريل عليه السلام رفع درعها فنفخ في جيبه، وقيل: نفخ عن بُعد، فوصل الريح إليها فحملت في الحال، وقيل: إن النفخة كانت في فيها، وكانت مدة حملها سبعة أشهر، وقيل: ثمانية. ولم يعش ولد من ثمانية. وفي ابن عطية: تظاهرت الروايات أنها ولدت لثمانية أشهر، ولذلك لا يعيش ابن ثمانية أشهر حفظًا لخاصية عيسى، فتكون معجزة له. هـ. وقيل: تسعة أشهر. وقيل: ثلاث ساعات، حملته في ساعة، وصُور في ساعة، ووضعته في ساعة حين زالت الشمس. وقيل: ساعة، ما هو إلا أن حملت فوضعت، وسنها حينئذ ثلاث عشرة سنة، وقيل: عشر سنين، وقد حاضت حيضتين. { فانتبذت به } أي: فاعتزلت ملتبسة به حين أحست بقرب وضعها، { مكانًا قَصيًّا }: بعيدًا من أهلها وراء الجبل، وقيل: أقصى الدار. { فأجاءها المخاضُ } فألجأها المخاض. وقرئ بكسر الميم. وكلاهما مصدر، مَحَضتِ المرأة: إذا تحرك الولد في بطنها للخروج، { إِلى جِذْعِ النخلةِ } لتستتر به، أو لتعتمد عليه عند الولادة، وهو ما بين العِرق والغصن. وكانت نخلة يابسة، لا رأس لها ولا قعدة، قد جيء بها لبناء بيت، وكان الوقت شتاء، والتعريف في النخلة إما للجنس أو للعهد، إذ لم يكن ثَمَّ غيرها، ولعله تعالى ألهمها ذلك ليريها من آياتها ما يسكن روعتها، وليطعمها الرطب، الذي هو من طعام النفساء الموافق لها. { قالت } حين أخذها وجع الطلق: { يا ليتني متُّ } بكسر الميم، من مات يُمَاتُ، وبالضم، من مات يموت، { قبل هذا } الوقت الذي لقيتُ فيه ما لقيت، وإنما قالته، مع أنها كانت تعلم ما جرى لها مع جبريل عليه السلام من الوعد الكريم استحياء من الناس، وخوفًا من لائمتهم، أو جريًا على سنن الصالحين عند اشتداد الأمر، كما رُوي عن عمر رضي الله عنه أنه أخذ تِبْنَةً من الأرض، فقال: ليتني هذه التبنة ولم أكن شيئًا ". وقال بلال: ليت بلالاً لم تلده أمه. ثم قالت: { وكنتُ نسْيًا } أي: شيئًا تافهًا شأنه أن يُنسى ولا يُعتد به، { منسيًّا } لا يخطر ببال أحد من الناس. وقُرئ بفتح النون، وهما لغتان نِسي ونَسْي، كالوَتْر والوِتْر. وقيل: بالكسر: اسم ما ينسى، وبالفتح: مصدر. { فناداها } أي: جبريل عليه السلام { مِنْ تحتِها } ، قيل: إنه كان يقبل الولد من تحتها، أي: من مكان أسفل منها، وقيل: من تحت النخلة، وقيل: ناداها عيسى عليه السلام، ويرجحه قراءة من قرأ بفتح الميم، أي: فخاطبها الذي تحتها: { أن لا تحزني } ،أو: بألا تحزني، على أنَّ " أنْ " مفسرة، أو مصدرية، حذف عنها الجار.

السابقالتالي
2 3 4 5