الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً } * { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } * { فَأَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } * { قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً } * { وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً }

يقول الحقّ جلّ جلاله: { ويسألونك } أي اليهود، سألوه على وجه الامتحان، أو قريش، بتلقينهم. والتعبير بالمضارع للدلالة على استمرارهم على ذلك إلى ورود الجواب، والمراد: ذو القرنين الأكبر، وكان على عهد إبراهيم عليه السلام، ويقال: إنه الذي قضى لإبراهيم حين تحاكم إليه في بئر السبع بالشام، واسمه تبرس، وقيل: هرديس، وأما ذو القرنين الأصغر، بالقرب من زمن عيسى عليه السلام، واسمه الإسكندر، وهو صاحب أرسطو الفيلسوف، وقيل: المراد به هنا الأصغر، واقتصر عليه المحلِّي. قال الإمام الرازي: والأول أظهر لأن من بلغ مُلكه من السعة والقوة إلى الغاية التي نطق بها التنزيل إنما هو الأكبر، كما شهدت به كتب التواريخ. قلت: كلاهما بلغا الغاية القصوى، وملكا المشارق والمغارب، أما ذو القرنين الأكبر، فقيل: إنه كان ملِكًا عادلاً صالحًا، ملك الأقاليم، وقهر أهلها من الملوك، ودانت له البلاد، وإنه كان داعيًا إلى الله تعالى، سائرًا في الخَلْق بالمعونة التامة والسلطان المؤيد المنصور، وكان الخضر على مقدمة جيشه، بمنزلة المستشار الذي هو من الملك بمنزلة الوزير. وقيل: كان ابن خالته. وذكر الأزرقي وغيره أنه أسلم على يد إبراهيم عليه السلام، فطاف معه بالكعبة مع إسماعيل. ورُوي أنه حج ماشيًا، فلما سمع إبراهيم عليه السلام بقدومه تلقاه ودعا له، وأوصاه بوصايا. ويقال: إنه أُتي بفرس ليركب، فقال: لا أركب في بلد فيه الخليل، فعند ذلك سخّر له السحاب، وطوى له الأسفار، فكانت السحاب تحمله وعساكيره وجميع آلاتهم، إذا ارادوا غزو قوم. وسئل عنه عليّ رضي الله عنه: أكان نبيًا أو ملَكًا - بالفتح -؟ فقال: لم يكن نبيًا ولا ملَكًا، ولكن كان عبدًا أحبَّ الله فأحبه الله، وناصَحَ الله فناصحه، فسخر له السحاب، ومدَّ له الأسباب. وقال مجاهد: ملك الأرض أربعةٌ: مؤمنان وكافران، فالمؤمنان: سليمان وذو القرنين، والكافران: نمرود وبختنصر. هـ. وأما ذو القرنين الأصغر، وهو الإسكندر اليوناني، فرُوِيَ انه لما مات أبوه جمع مُلْكَ الروم بعد أن كان طوائف، ثم قصد ملوك العرب وقهرهم، ثم مضى حتى أتى البحر الأخضر، ثم عاد إلى مصر، فبنى الإسكندرية وسماها باسمه، ثم دخل الشام وقصد بني إسرائيل، وورد بيت المقدس وذبح في مذبحةٍ، ثم انعطف إلى أرمينية وباب الأبواب، ودان له العراقيون والقبط والبربر، واستولى على ملوك الفرس، وقصد السند وفتحه، وبنى مدينة سرنديب وغيرها، ثم قصد الصين، وغزا الأمم البعيدة، ورجع إلى العراق ومرض ومات. رُوِيَ أن أهل النجوم: قالوا له: إنك تموت على أرض من حديد، وتحت سماء من خشب، فبلغ بابل، ورعُف، وسقط عن دابته، فبسطت له دروع من حديد، فنام عليها، فآذته الشمس، فأظلوه بترس من خشب، فنظر، فقال: هذه أرض من حديد وسماء من خشب، فمات، وهو ابن ألف وستمائة سنة، وقيل: ثلاثة آلاف، قال ابن كثير: وهو غريب.

السابقالتالي
2 3 4