الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً } * { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } * { قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً } * { فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً } * { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } * { قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَٰحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً } * { فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً }

قلت: ضمَّن ركوب السفينة معنى الدخول فيها، فعداه بفي، وقد تركه على أصله في قوله:لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } [النّحل: 8]. يقول الحقّ جلّ جلاله: { فانطلقا } أي: موسى والخضر، وسكت عن الخادم لكونه تبعًا، وقيل: إن يوشع لم يصحبهما، بل رجع، فصارا يمشيان على ساحل البحر، فمرت بهم سفينة، فكلموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر، فحملوهم بغير نَوْل، فلما لَجَّجُوا البَحْرَ أخذ الخضرُ فأسًا فخرق السفينة، فقلع لوحًا أو لوحين مما يلي الماء، فحشاها موسى بثوبه، و { قال أخرقتها لتُغرق أهلَها } أو: ليَغرَق أهلُها، { لقد جئتَ } أي: أتيتَ وفعلت، { شيئًا إِمْرًا } أي: عظيمًا هائلاً، يقال: أَمِر الأمرُ: عظم، { قال } الخضر: { ألم أقل إِنك لن تستطيع معي صبرًا } تذكيرًا لما قاله له من قبلُ، وإنكارًا لِعدم الوفاء بالعهد، { قال } موسى عليه السلام: { لا تُؤاخذني بما نسيتُ } أي: بنسياني، أو بالذي نسيته، وهو وصيته بأن لا يسأله عن حكمة ما صدر عنه من الأفعال الخفية الأسباب قبل بيانه، أراد: نسي وصيته، ولا مؤاخذة على الناسي، وفي الحديث: " كانت الأولى مِن مُوسى نسيانًا " أو: أراد بالنسيان الترك، أي: لا تُؤاخذني بما تركت من وصيتك أول مرة. { ولا تُرهقني } أي: لا تُغْشِنِي ولا تُحَمِّلْنِي { من أمري } ، وهو اتباعك، { عُسرًا } أي: لا تعَسِّرْ عليّ في متابعتك، بل يسرها عليّ بالإغضاء والمسامحة. { فانطلقا } أي: فقبل عذره فخرجا من السفينة فانطلقا { حتى إذا لقيا غلامًا فقتله } قيل: كان يلعب مع الغلمان ففتَلَ عنقه، وقيل: ضرب رأسه بحجر، وقيل: ذبحه، والأول أصح لوروده في الصحيح، رُوي أن اسم الغلام " جيسور " بالجيم، وقيل: بالحاء المهملة، فإِن قلت: لِمَ قال { خرقها } بغير فاءٍ، وقال: { فقتله } بالفاء؟ فالجواب: أن " خَرَقَها ": جواب الشرط، و { قتله }: من جملة الشرط، معطوفًا عليه، والجزاء هو قوله: { قال أقتلت } ، فإن قلت: لِمَ خولف بينهما؟ فالجواب: أن خرق السفينة لم يتعقب الركوب، وقد تعقب القتل لِقاء الغلام. هـ. وأصله للزمخشري. وقال البيضاوي: ولعل تغيير النظم بأن جعل خرقها جزاء، واعتراض موسى عليه السلام مستأنفًا في الأولى، وفي الثانية { فقتله } من جملة الشرط، واعتراضه جزاء لأن القتل أقبح، والاعتراض عليه أدخل، فكان جديرًا بأن يجعل عمدة الكلام، ولذلك وصله بقوله: { لقد جئت شيئًا نُكرًا } أي: منكرًا. هـ. وناقشه أبو السعود بما يطول ذكره. { قال } موسى عليه السلام في اعتراضه: { أقتلتَ نفسًا زكية }: طاهرة من الذنوب، وقرئ بغير ألف مبالغةً، { بغير نَفْسٍ } أي: بغير قتلِ نفسٍ محرمةٍ، فيكون قصاصًا. وتخصيص نفي هذا القبيح بالذكر من بين سائر القبيحات من الكفر بعد الإيمان، والزنا بعد إحصان لأنه أقرب إلى الوقوع نظرًا لحال الغلام.

السابقالتالي
2 3