الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَٰهُ لاۤ أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً }

ولمَّا ذكر الحق جلّ جلاله قصة أهل الكهف، وكان وقع فيها عتاب للرسول - عليه الصلاة والسلام - حيث لم يستثن بتأخير الوحي، وبقوله: { ولا تقولن لشيء... } الخ، ذكر هنا قصة موسى مع الخضر - عليهما السلام - وكان سَبَبُها عتابَ الحق لموسى عليه السلام حيث لم يردَّ العلم إليه، حين قال له القائل: هل تعلم أحدًا أعلم منك؟ فقال: لا، فذكر الحق تعالى قصتهما تسليةً لنبينا عليه الصلاة والسلام بمشاركة العتاب. قلت: { لا أبرح }: ناقصة، وخبرها: محذوف: اعتمادًا على قرينة الحال إذ كان ذلك عن التوجه إلى السفر، أي: لا أبرح أسير في سفري هذا، ويجوز أن تكون تامة، من زال يزول، أي: لا أفارق ما أنا بصدده حتى أبلغ... الخ. يقول الحقّ جلّ جلاله: { و } اذكر { إذ قال موسى لفتاه } يوشع بن نون بن إفراثيم بن يوسف عليه السلام، وكان ابن أخته، سُمي فتاه إذ كان يخدمه ويتبعه ويتعلم منه العلم. والفتى في لغة العرب: الشاب، ولمَّا كانت الخدمة أكثر ما تكون من الفتيان، قيل للخادم: فتى، ويقال للتلميذ: فتى، وإن كان شيخًا، إذا كان في خدمة شيخه، فقال موسى عليه السلام: { لا أبرحُ }: لا أزال أسير في طلب هذا الرجل، يعني: الخضر عليه السلام، { حتى أبلغَ مَجْمَعَ البحرين } ، وهو ملتقى بحر فارس والروم مما يلي المشرق، وهذا مذهب الأكثر. وقال ابن جزي: مجمع البحرين: عند " طنجة " حيث يتجمع البحر المحيط والبحر الخارج منه، وهو بحر الأندلس. قلت: وهو قول كعب بن محمد القرضي. { أو أَمْضِيَ حُقُبًا } أي: زمنًا طويلاً أتيقن معه فوات الطلب. والحقب: الدهر، أو ثمانون سنة، أو سبعون. وسبب هذا السفر: أن موسى عليه السلام لما ظهر على مصر، بعد هلاك القبط، أمره الله تعالى أن يُذّكر قومه هذه النعمة، فقام فيهم خطيبًا بخطبة بليغة، رقَّت بها القلوب، وذرفت منها العيون، فقالوا له: من أعلم الناس؟ فقال: أنا. وفي رواية: هل تعلم أحدًا أعلم منك؟ فقال: لا. فعَتَب الله عليه إذ لم يَرُدَّ العلم إليه عزّ وجلّ، فأوحى الله إليه: " أعلم منك عبدٌ لي بمجمع البحرين، وهو الخضر " ، وكان قبل موسى عليه السلام، وكان في مُقَدَّمَةِ ذي القرنين، فبقي إلى زمن موسى عليه السلام، وسيأتي ذكر التعريف به في محله، إن شاء الله. وقال ابن عباس رضي الله عنه: إن موسى عليه السلام سأل ربه: أيُّ عبادك أحب إليك؟ قال: الذي يذكرني ولا ينساني، قال: فأي عبادك أقضى؟ قال: الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى، قال: فأي عبادك أعلم؟ قال: الذي يستقي علم الناس إلى علمه، عسى أن يصيب كلمةً تدله على هدى، أو ترده عن ردى، قال: يا رب إن كان في عبادك من هو أعلم مني فدلني عليه؟ قال: أعلم منك الخضر، قال: أين أطلبه؟ قال: على ساحل البحر عند الصخرة.

السابقالتالي
2